كان عبدالله الشريف، الشاب ذو الـ 18 عامًا، وطالب الدراسات القانونية في جامعة طيبة، يتحرك بخفة بين عديد من معدات وأجزاء من طابعات برايل المخصصة للمكفوفين، التقط عبدالله إحدى تلك الطابعات، وقام بفكها وإصلاحها وتركيبها في أقل من عشر دقائق، حين سألناه كيف فعل ذلك رغم أنه كفيف البصر منذ ولادته، التفت ناحيتي وقال: "صحيح أن الله قد حرمنا نعمة البصر لكنه وهبنا نِعَمًا عديدة نستطيع من خلالها أن نفعل أي شيء ولا يمكن أن يقف في طريقنا أي شيء".
عبدالله، هو واحد من 100 شاب من المكفوفين تم تدريبهم على أعمال صيانة طابعات برايل، التي تتولى طباعة الكتب للمكفوفين، حيث يقوم هو وزملاؤه بصيانة هذه الطابعات، من خلال مركز الصيانة الملحق بجمعية المكفوفين الخيرية "رؤية" بالمدينة المنورة، وهو المشروع الذي تدعمه أرامكو السعودية كجزء من برامجها في المواطنة، وتحقيق رؤية المملكة 2030، التي ترسخ مبدأ نتعلم لنعمل، ويرتقي بتلك الجهود من المساندة إلى التمكين.
عندما وصلنا إلى مقر الجمعية، كانت المفاجأة أن كل القائمين عليها هم من المكفوفين، بدءًا من المدير التنفيذي، ومدير البرامج، وكذلك المسؤول عن تدريب الشباب على أعمال الصيانة. التقينا المدير التنفيذي للجمعية ياسر راجح وسألناه في البداية عن فكرة هذا المشروع الواعد لصيانة طابعات برايل بأيدي المكفوفين، فقال: هذه الطابعات كانت تُرسل سابقًا للصيانة خارج المملكة، نظرًا لعدم وجود مراكز فنية متخصصة في الصيانة بالمملكة، ففكرنا في أن يقوم المكفوفون أنفسهم بصيانتها، خاصة أن أغلب أعطالها تحتاج لتركيب قطع غيار أو تنظيف، وهو ما يستطيع الكفيف -بفضل ما منحه الله من نعمة الإحساس بالأشياء من خلال اللمس- أن يتميز فيه، وبالفعل عرضنا الفكرة على المسؤولين في أرامكو السعودية وزارنا وفد من منسوبي قسم المواطنة بالشركة وكان سؤالهم الوحيد: هل يمكن لأحد المكفوفين تفكيك الماكينة وتركيبها، فقدَّمنا أمامهم عرضًا مباشرًا وقمت بفكها وتركيبها في دقائق، فاقتنعوا بالفكرة ودعموها، وهنا بدأنا المرحلة الأصعب من تنفيذ المشروع، وهي اختيار الشباب الأكفاء وتدريبهم، وبالفعل اخترنا عددًا من الشباب المُسجل في الجمعية وعكف على تدريبهم أحد المتخصصين من المكفوفين على صيانتها وهم يقومون الآن بعمل رائع وجهد مميّز.
أنشطة متعددة
رئيس مجلس إدارة الجمعية الخيرية رؤية للمكفوفين الدكتور سعيد دليم القحطاني يؤكد أن تأسيس الجمعية يُعد حدثًا مهمًا في المدينة المنورة لأنها الجمعية الأولى من نوعها، ويقول: الحقيقة أننا كمجلس إدارة نرى أن نجاح تأسيس الجمعية هو أمر ضروري لهؤلاء المكفوفين وتأكيدًا على قدراتهم التي نؤمن بها، وتوفير سبل التميز والإبداع حتى يكون لأعضاء ومستفيدي الجمعية الدور الفاعل في المجتمع، وخطتنا هي دعم جميع الموهوبين والعمل على تأهيلهم ودمجهم في سوق العمل المناسب لإمكاناتهم و قدراتهم.
يقول مدير البرامج والإعلام بالجمعية، ماهر الجهني: هذا المشروع الكبير غيّر حياة المكفوفين العاملين فيه إلى الأفضل، فقد منحهم الفرصة وهيأ لهم الظروف المناسبة لإطلاق قدراتهم وأعاد لهم ثقتهم بأنفسهم، كما ساعدهم على كسر العُزلة التي فرضتها عليهم إعاقتهم، وكذلك ساعد على تمكينهم وكسب رزقهم بأيديهم.
ويضيف الجهني قائلًا: لدينا في الجمعية عدد من البرامج التي تساعد على تمكين الكفيف، منها المطبخ الناطق للمرأة، الذي يساعدها على القيام بأعمال الطبخ دون مساعدة من أحد، حيث يقوم كل جهاز أو آلة في المطبخ بنطق وظيفته بمجرد لمسه، كما أن لدينا أول "توست ماسترز" للمكفوفين في العالم، حيث نعقد لقاءات لتعليم المكفوفين فن الخطابة والإلقاء، وتنظيم منافسات بينهم كل أسبوعين، كما نقوم بتدريبهم على الحِرَف اليدوية والمهنية ولدينا معرض لبيع منتجاتهم. وقد انطلقت المرحلة الثانية منه بإنشاء مطبعة تتولى طباعة كتب المكفوفين، التي تأسست بالشراكة مع شركة الخريجي.
خلية نحل وعمل دؤوب
محمد على هوسا، 20 عامًا، يدرس اللغة الإنجليزية في جامعة طَيبة، ويعمل في صيانة الطابعات بالمركز، يقول: أعمل هنا منذ حوالي خمسة شهور. كان العمل في البداية صعبًا، حيث كانت هناك صعوبة في تمييز أنواع المسامير المختلفة، وكذلك أنواع الأدوات، إذ لم يكن لي سابق معرفة بهذا الأمر، لكني الآن قادر على صيانة أي طابعة مهما كانت درجة الأعطال بها، وفي وقت قياسي وربما أفضل من المبصرين، فلن يعرف أحد ماكينات طباعة كتب المكفوفين أكثر من المكفوفين أنفسهم.
محمد أيمن بكري، 22 عامًا، يدرس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة طَيبة، يؤكد أن العمل كان شاقًا في البداية نظرًا للصعوبات المختلفة التي واجهتهم، لكن بمرور الوقت تحول العمل إلى متعة، حيث يستطيع الآن القيام بأعمال الصيانة في مدة لا تتجاوز نصف ساعة.
الاستفسارات الإعلامية
جميع استفسارات وسائل الإعلام يتم التعامل معها من قبل إدارة الإعلام والتواصل التنفيذي في أرامكو - قسم العلاقات الإعلامية. الظهران - المملكة العربية السعودية