الانتقال إلى المحتوى
aramco logo
مقالات

قصص واقعية ملهمة ــــ استعادة الشعاب المرجانية النادرة في أوكيناوا من حافة الانقراض

كيف سخّر كل من عالم بحار وغواص وصياد معارفهم ومهاراتهم لإنقاذ شعاب مرجانية مجهولة ونادرة؟

مجلة عناصر|أندرو غراي|

  • تؤدي الشعاب المرجانية دورًا مهمًا في البيئات والمجتمعات المحلية
  • ساهم تمويل أرامكو السعودية على حثّ جهود إنقاذ الشعاب المرجانية النادرة في المياه العميقة من آثار إعصار (ميفا) في عام 2011
  • بفضل مبادرة أرامكو السعودية، تَعزز الاهتمام والوعي في جميع أنحاء اليابان بالحياة البحرية في أوكيناوا

تؤدي الشعاب المرجانية دورًا مهمًا في حماية التنوع الحيوي، وضمان استدامة البيئة وسبل المعيشة للسكان المحليين. وعلى الرغم من أنها تعيش مغمورة تحت الأمواج، إلا أنها تحمي السواحل البحرية من التعرية والعواصف، وتوفّر كذلك فرص العمل للمجتمعات المحلية، فضلًا عن أنها مصدرًا غنيًا للطعام والدواء. 

تشتهر جزيرة كوميجيما الواقعة في محافظة أوكيناوا باليابان بمناخها الاستوائي وشواطئها الشاسعة، وبأنها موطن مجموعات متعددة من الشعاب المرجانية التي تدعم وتغذّي الأحياء البحرية المتنوعة المستوطنة في المحيط الهادئ.

تتعرض محافظة أوكيناوا في المتوسط لثمانية أعاصير كل عام، وعندما تضرب، فإنها غالبًا ما تُلحق الضرر بالبيئات البحرية. في عام 2011، ضرب إعصار (ميفا) جزيرة كوميجيما مخلفًا أثارًا مدمرة على الموائل البحرية والبرية، وطالت آثاره صميم هذه الشعاب المرجانية الثمينة.

ولكن، بفضل مبادرة عظيمة قادها ثلاثة رجال بدعم من أرامكو السعودية، تلقت إحدى تجمعات الشعاب المرجانية النادرة الدعم والحماية اللازمة لكي تتعافي من هذا الأثر المدمر، وعززت هذه المبادرة من مستوى فهم العالم لهذه الموارد الطبيعية فائقة الجمال وبالغة الأهمية.

لطالما كانت هذه الشعاب المرجانية الضخمة مخبأة تحت الأمواج وأعمق بكثير مما كان يُعتقد، وكانت سرًا معروفًا فقط لسكان كوميجيما.  ولكن، سرعان ما تكشّف ذلك السّر عندما اصطحب أحد الصيادين المحليين غطاسًا محترفًا ومقيمًا حديثًا، يُدعى أتسو شيويري، إلى هذه المنطقة المتفردة. 

قال شيويري: "لقد كان أمرًا يفوق تصوري، وشيئًا لم أتخيله إلا في أحلامي، رأيته ممتدًا أمامي". 

بعد إدراكه مدى تميّز هذه الشعاب المرجانية الشاسعة، تواصل شيويري مع أحد الخبراء، وهو عالم حياة بحرية يعمل في جامعة (بريفيكشترال) للفنون في أوكيناوا.

في عام 2010، اجتمع الرجال الثلاثة الذين ينتمون إلى خلفيات مختلفة، وهم الصياد يوجي تاباتا، والباحث يوشيهيسا فوجيتا، والغوّاص المرشد شيويري، لإجراء دراسة ومراقبة الشعاب المرجانية، ولرفع مستوى وعي الشعب الياباني بأهمية حمايتها مع العديد من الشعاب المرجانية الأخرى في مياه بلادهم. وفي عام 2011، أصدر البروفيسور فوجيتا بمساعدة تاباتا وشيويري تقريرًا يعرّف فيه الأوساط العلمية والمجتمع بهذه الشعاب المرجانية الفريدة من نوعها.

 

"لقد كان أمرًا يفوق تصوري، وشيئًا لم أتخيله إلا في أحلامي، رأيته ممتدًا أمامي."

أوتسو شيويري, غواص

ووفقًا لمجموعة الدراسة، يُعرف هذا النوع الموجود في مجتمع الشعاب المرجانية، بالشعاب المرجانية الشوكية قمية المسام، وهي إحدى الأنواع المصّنفة بواسطة الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة بأنها ضعيفة ومُعرضة بشدة لخطر الانقراض، والمُدرجة  في قائمته (القائمة الحمراء) للأنواع المهددة بالانقراض، علاوة على ذلك، يُعد هذا المجتمع واحدًا من أكبر مجتمعات الشعاب المرجانية ذات النوع الواحد في اليابان، إذ يبلغ عرضه حوالي 200 متر وطوله 1200 متر، كما يقع على أعماق تتراوح ما بين 30 -40 مترًا، مما يجعل من الصعب الوصول إليه بالغوص العادي.

يقول فوجيتا: "لقد كان اكتشافًا أكاديميًا جديدًا، على الرغم من أن الصيادين والغواصين المحليين كانوا على علم به لفترة طويلة من الزمن". 

ولكن في العام التالي، ضرب إعصار (ميفا)، وكاد هذا "الاكتشاف الجديد" المهم أن يتدمر. وبعدما انجلى الإعصار، أصبحت ما يقارب 70% من المساحة المغطاة بالشعاب المرجانية في السابق مجرد قاع محيط فارغ. وبدا أن جهود الرجال الثلاثة على وشك أن تذهب سُدى.

لكن شغفهم جميعًا بهذا المشروع والبيئة البحرية، حثهم على مواصلة العمل معًا، والاعتناء بما تبقى من الشعاب المرجانية الصغيرة.

 

يعمل يوجي تاباتا في الصيد وزراعة الأعشاب البحرية في مياه كوميجيما. فهو ينحدر من عائلة صيادين وهو الرئيس الحالي لاتحاد الصيادين في الجزيرة. تعود أولى ذكرياته عن الصيد إلى التاسعة من عمره، حينما كان يغوص من القارب وقتما يصطاد أفراد عائلته. قال تاباتا مستعيدًا ذكرياته: "كان الأمر أشبه بالطيران في السماء والنظر إلى الجبال من الأعلى".

لدى تاباتا معرفة عميقة بالمحيط، وهو مصمم على جعل البحر مكانًا أفضل وأنظف للأجيال القادمة.

وأضاف: "كان هدفي من الانضمام إلى هذا المشروع هو تقديم البحر لأولادي وأحفادي في حالة أفضل من الحالة التي هو عليها الآن".

بالنسبة إلى شيويري، الذي وُلد في منطقة جبلية نائية، ويعمل الآن مدرب غوص ومرشد ومصور فوتوغرافي تحت الماء، فإن إصراره على إنقاذ الشعاب المرجانية المتضررة ينبع من شغفه بعالم ما تحت البحار، والذي أشعلته الرحلات العائلية إلى الساحل في طفولته. وعندما أخذه صديقه تاباتا إلى هذه الشعاب المرجانية لأول مره، وصفها بأنه تجربة ساحرة.

حيث عبّر قائلاً: "هذه المساحة الشاسعة، والشعاب المرجانية الوضاءة المنتشرة، لم أر شيئًا مثلها من قبل، رغم أني غطست في العديد من البحار حول العالم. كان الأمر يفوق خيالي".

وجد شيويري مكانًا مفضلًا جديدًا لاستكشافه، مكانًا لم يكن مستعدًا للتخلي عنه.

 

"كان هدفي من الانضمام إلى هذا المشروع هو تقديم البحر لأولادي وأحفادي في حالة أفضل من الحالة التي هو عليها الآن"

يوجي تاباتا، صياد

لطالما نظر البروفيسور يوشيهيسا فوجيتا، عالم الحياة البحرية، إلى البحر على أنه مصدر للدهشة والفضول. إذ أنشأ فوجيتا في عام 2005 مركز التعلّم البحري في أوكيناوا، وهي منظمة مكرسة لاستكشاف البيئة البحرية في المياه المحيطة بأوكيناوا، وتثقيف المجتمع حول موائلها والأنواع التي تعيش فيها. 

يقول فوجيتا: "الغرض من هذه المنظمة هو تعزيز التواصل وإنشاء الروابط بين الباحثين والمجتمع".

يؤمن فوجيتا إيمانًا راسخًا بأن نشر المعرفة بشأن البحار وحماية الشعاب المرجانية أمر لا يمكن تحقيقه من خلال جهود الباحثين فقط، ويؤيد بشدة التعاون مع الصيادين والغواصين المحليين في أوكيناوا والجزر المجاورة.

ويقول: "بدون مهارات شيويري في الغوص، لم نكن لنعرف عن مثل هذا المنظر الرائع تحت الماء، وبدون معرفة تاباتا العميقة، لم نكن لنعرف الكثير عن المحيط. فلا يستطع الباحثون وحدهم تنفيذ هذه المبادرة". 

أحدث اكتشاف الشعاب المرجانية ضجة في جميع أنحاء اليابان، وحظي بانتباه الناس، وكان سكان الجزيرة متحمسون جدًا لإمكانية الاستفادة من هذا المورد بعدة طرق.

يقول فوجيتا وهو يتذكر هذه الأحداث: "عندما أوشك الإعصار على تدمير الشعاب المرجانية أُصيب سكان الجزيرة بخيبة أمل واستسلموا لاعتقادهم أنها تدمرت كليًا، لكنني أردت أن أقول لهم، لا تفقدوا الأمل، نحن بحاجة إلى تكثيف المراقبة، فمن الممكن أن تتعافى بنفسها". 

وأضاف فوجيتا: "وافقني تاباتا وشيويري وبعض الصيادين الآخرين الرأي، وقالوا إنهم سينضمون إليّ. لقد كان إقناعهم للمضي قدمًا إحدى العقبات التي واجهتني، بالإضافة إلى إيجاد طريقة للاستمرار في تمويل الجهود لمواصلة مراقبة ما اعتقدنا أنه قد تدمر. لذلك أنشأت مجموعة "نانهاناري" لدراسة الشعاب المرجانية، وهي جمعية تطوعية تضم عددًا من الغواصين والصيادين في كوميجيما. وبمجرد أن اقتنع الجميع بالفكرة، اتحدوا وتعاونوا مع بعضهم البعض".

"بدون مهارات شيويري في الغوص، لم نكن لنعرف عن مثل هذا المنظر الرائع تحت الماء، وبدون معرفة تاباتا العميقة، لم نكن لنعرف الكثير عن المحيط. فلا يستطع الباحثون وحدهم تنفيذ هذه المبادرة."

البروفيسور يوشيهيسا فوجيتا، عالم الحياة البحرية

تتمتع الشعاب المرجانية بالقدرة على تجديد نفسها، ولكنها تتعرض في البحار الضحلة لتأثيرات هائلة جراء الأنشطة البشرية مثل صيد الأسماك والسياحة، ففي حين أن البعض منها يتعافى، فإن الكثير منها لا ينجو بسبب هذه الأنشطة الضارة. ولكن هذه الشعاب المرجانية ليست مثل أي حالة عادية.

يقول فوجيتا: "ليس لدينا أي بحوث حول قدرة الشعاب المرجانية في هذا العمق على تجديد نفسها بعد التعرض لهذا المستوى من الدمار. ويُعد هذا أول اكتشاف علمي حول الموضوع يحدث في ظل هذه الظروف. إذ لم نكن نعلم قبل ذلك أن الأعاصير يمكن أن تسبب أضرارًا على مستوى هذا العمق من المحيط".

لكن تفاؤل البروفيسور آتى ثماره. حيث واصل الفريق مراقبته، ونما المشروع مع انضمام المزيد من الصيادين والغواصين للمشاركة في جهود الإنقاذ. وسعد المشاركون برؤية الشعاب المرجانية تتعافى تدريجيًا، وتستعيد ازدهارها شيئًا فشيئًا لتعود كما كانت في السابق.

كانت هذه أول مرة في اليابان يجري فيها تتبع أضرار الإعصار على مجموعة من الشعب المرجانية متوسطة العمق وعملية تعافيها. وكان للمسح دورًا مهمًا في تأكيد تعافي الشعاب المرجانية بشكل مذهل في عام 2013، أي بعد عامين من الدمار الكارثي.

وتمت الإشادة بالمسح باعتباره مثال على حالة نادرة لمبادرة شارك فيها سكان محليون لا يمتلكون خبرة في مجال البحث، حيث جرى تناقل طرق المسح حتى يتمكنوا من الاستمرار في استخدامها بأنفسهم.

 

ولدعم العمل القيّم الذي يضطلع به هؤلاء الرجال، قدمت "أرامكو اليابان" عبر اتحاد الحفاظ على الشعاب المرجانية في أوكيناوا، لمركز التعلّم البحري، منحة صندوق أرامكو السعودية للحفاظ على الشعاب المرجانية في أوكيناوا خمس مرات، خلال الأعوام: 2012 و2013 و2014 و2019 و2020. 

ومُنح التمويل لمركز التعلّم البحري بعد الإعصار الذي حدث في عام 2011 تكريمًا للمركز على إنجازاته في مجال بحوث البيئة البحرية، وتعزيز التعليم في مجال علوم الحياة البحرية.

واُستخدم التمويل لمراقبة عملية تعافي الشعاب المرجانية والتعريف بها على نطاق واسع في المجتمع المحلي. كما مكّنت المنحة المركز من تقديم دروس تعليمية للأطفال، وتنظيم معرض في متحف محلي عن الشعاب المرجانية وأهميتها.
يعتقد البروفيسور فوجيتا أنه من أجل حماية هذه الشعاب المرجانية وغيرها، يحتاج الباحثون إلى دراستها بشكل أفضل ومشاركة معرفتهم مع المجتمع الأكاديمي الأوسع. وليكون ذلك ممكنًا فإنه يتطلب المزيد من التعاون، مثل التعاون الذي أظهره فوجيتا وتاباتا وشيويري.

يقول فوجيتا: "لا يمكن للبحوث وحدها حماية الشعاب المرجانية، نحن بحاجة إلى الاستمرار في مراقبة هذه الشعاب المرجانية بمساعدة الغواصين والصيادين الذين يعيشون على ظهر هذه الجزيرة".

وبفضل جهودهم المشتركة، التي ساهمت أرامكو اليابان في تعزيزها، أصبح هناك اهتمام غير مسبوق في جميع أنحاء اليابان بالحياة البحرية في أوكيناوا. وأصبح مستقبل هذه الشعاب المرجانية المميزة في كوميجيما الآن أكثر استقرارًا، ومع عزيمة ومرونة الأصدقاء الثلاثة، وبدعم من أرامكو اليابان، يبدو أنها ستدوم لفترة طويلة.

في اليابان، تعمل أرامكو على تعزيز الحفاظ على الشعاب المرجانية حول أوكيناوا على مدى السنوات الـ 12 الماضية. أرامكو تواصل دعمها لمجلس المحافظة على الشعاب المرجانية في أوكيناوا | أرامكو اليابان

 
شاهد قصة أوكيناوا

مجلة عناصر

قصص واقعية ملهمة

تحتفي هذه السلسلة ببعض القصص لأشخاص سعوديين تحولت حياتهم بفضل مشاريع تفخر أرامكو بدعمها. فقد أحيينا قصصهم من خلال حكايات مصورة، كما فعلنا مع قصة وائل. يمكن مشاهدة التقديم التمهيدي أدناه أو النقر على الرابط للاطلاع على النسخة التفاعلية الكاملة.
  • مسيرة مهنية رائعة

    تعرف على قصة عائشة
  • طنين النحل

  • تحفيزٌ من نوعٍ آخر

  • روح معنوية لا تُقهر

  • قصة نجاح في مجال صناعة الأفلام

  • استعادة الشعاب المرجانية النادرة في أوكيناوا من حافة الانقراض

  • نغرس بذور المستقبل

  • رحلة البحث عن الذات

قصص واقعية ملهمة