ما الذي يحمله المستقبل لنا؟ سؤالٌ يؤرق كثيرًا من المهتمين بصناعة الطاقة، واجتمع على إثره ما يقرب من ثلاثة آلاف شخصية من قادة صناعة الطاقة في العالم لحضور مؤتمر أسبوع كامبريدج لأبحاث الطاقة (سيرا) السنوي، خلال الفترة 22 - 26 فبراير 2016م في مدينة هيوستن، لإجراء حوار بالغ الأهمية حول وضع الصناعة، وكان من بين الحضور وزراء للطاقة وصناع قرار وتنفيذيون كبار ووفود يمثلون أكثر من 60 دولة.
وعلى الرغم من تصدّر الموضوعات التي تتناول مستقبل سوق الطاقة لمعظم فقرات المؤتمر الذي استمر لمدة أسبوع، بما فيها من تحليلات حول العوامل المؤثرة مثل مستويات الإمداد العالمية الحالية والجغرافيا السياسية، فقد كانت هناك موضوعات موازية لذلك ركزت على السبل التي يمكن للمُورّدين من خلالها المحافظة على ميزانيات متوازنة إلى جانب الاستثمار على المدى الطويل.
وشارك في النقاش معالي وزير البترول والثروة المعدنية، المهندس علي بن إبراهيم النعيمي، حيث ألقى كلمة افتتاحية في اليوم الثاني للمؤتمر، والنائب الأعلى للرئيس للتنقيب والإنتاج في أرامكو السعودية، الأستاذ محمد يحيى القحطاني، الذي شارك في وقتٍ لاحقٍ من ذلك اليوم في جلسة نقاش حول قطاع التنقيب والإنتاج في العالم.
النعيمي: "دعوا الأسواق تؤدِّي دورها"
تحدَّث معالي الوزير النعيمي في كلمته عن سوق النفط العالمية وتاريخ دوراتها والحالة التي يعيشها العالم اليوم والمخاوف المُتزايدة من التغيُّر المناخي. واستهل معاليه كلمته بالإشارة إلى أنه بالنّسبة للصناعة "فإن المصالح التي تجمعنا هي أكثر من تلك التي تُفرّقنا"، فمصدّروا الطاقة لديهم مهمَّة مشتركة في تلبية الطلب العالمي، وكذلك تحمُّل موجات الصعود والهبوط المرتبطة بسوق السلع النفطية، وقال معلقًا: "كلنا شركاء في هذه المسألة".
وقد كان لمعالي الوزير النعيمي صولات وجولات لعقود في صناعة النفط، وواكب كثيرًا من تقلّباتها، وما زال، وعن ذلك قال: "لقد عاصرتُ فترات اتَّسمَ فيها الإمداد بالطفرة والشُّح على حدٍّ سواء، وشاهدتُ العديدَ من الصعود والتراجع، كما أنني مررتُ بفترة "ذروة إنتاج النفط"، كل هذه التجارب علّمتني أن هذا العمل وهذه السلعة، مثل باقي السلع، لها دورتها لا محالة، ونحن نتعامل مع سوق صعبة أكثر تطورًا وتعقيدًا من غيرها، فهناك كثير من اللاعبين الجدد والأدوات المالية الجديدة، التي لم تكن موجودة قبل 35 عامًا". وذكر أن أكثر السبل فاعلية للموازنة بين العرض والطلب هي "ببساطة دعوا الأسواق تؤدِّي دورها".
كما شدّد النعيمي بأن الطلب على النفط لا يزال قويًّا وكبيرًا، وأضاف قائلًا: "من الممكن الاختلاف حول نسبة بسيطة في الارتفاع والانخفاض على الطلب، ولكن المُحدِّد هو الطلب العالمي الذي لا يزال يطلب ويستهلك 90 مليون برميل في اليوم، وعلى المدى البعيد، هذا الرقم مرشّح للزيادة. ولهذا فأنا لست قلقًا على طلب السوق، ولذلك فأنا أرحِّب بزيادة المعروض من الزيت بما فيه الزيت الصخري".
وقد استمع قادة الطاقة في العالم باهتمام إلى النعيمي عندما لخّص سياسة المملكة العربية السعودية في هذه الأوقات الصعبة قائلًا: "أولًا: نحن ملتزمون بتوفير احتياجات عملائنا من النفط. وثانيًا: تستثمر المملكة موارد كبيرة في الإنتاج الاحتياطي لسد العجز، أو زيادة الطلب في الحالات الطارئة التي يُسبّبها توقف الإنتاج"، وأشار إلى إعصار كاترينا كمثال.
وثالثًا: أن المملكة تسعى لاستقرار أسواق النفط في العالم، وقال: "لا نزال نتواصل مع منتجي النفط الرئيسِين في العالم لبذل جُهدٍ مُشترك للحدِّ من حالة عدم الاستقرار، ومازلنا نسعى وراء اتفاق وإجماع، ولا نزال أيضًا منفتحين لأي عمل تعاوني".
كما أضاف النعيمي أن المملكة ملتزمة بتزويد العالم بالكمية الأكبر من النفط على أساس بنود تجارية واضحة، وشدّد قائلًا: "نحن لا نسعى أبدًا لنيل حصة كبيرة في السوق".
وتطرّق معالي الوزير إلى مسألة التغيُّر المناخي، مشيرًا إلى مؤتمر الأمم المتحدة للتغيُّر المناخي في باريس (مؤتمر الأطراف 21)، وشدَّد على حاجة المُنتجين إلى التضامن لإيجاد حلول بيئية، خاصة في مجال استخلاص الكربون وتخزينه كوسيلة للحدِّ من انبعاثاته وتأثيرها.
وقال إن المملكة أدركت مبكرًا التهديد الذي ينتج عن التغيُّر المناخي، ولذلك أنفقت، كما فعل آخرون، الأموال واستقطبت العقول لإيجاد الحلول التقنية لهذه المشكلة.
في المُحصّلة النهائية، كان النعيمي متفائلًا بما يحمله المستقبل، وقال معاليه: "نشهد حاليًا تراجعًا قاسيًا للأسعار، لكن السوق ستستعيد توازنها وسيعود الارتفاع، سأظل متفائلًا، ويجب علينا الاستمرار في العمل والتضامن معًا إذا أردنا أن نحقق هدفنا المشترك بإمداد الطاقة لما فيه خير العالم والبشرية".
عقب ذلك انضم النعيمي إلى السيد دانيل يرقن، منسق المؤتمر وأحد الفائزين بجائزة بوليتزر للكتابة، للإجابة عن الأسئلة حيث استفاض في شرح الظروف الحالية للصناعة والسوق.
مستقبل التنقيب والإنتاج
خلال جلسة النقاش التي عُقدت بعد الظهر حول التنقيب والإنتاج، انضم محمد القحطاني إلى متحدثين آخرين للحديث عن قطاع التنقيب والإنتاج، وبالأخص الحاجة إلى الاستمرار في الاستثمار رغم ضبابية السوق. وقال القحطاني: "مثلما الوضع الراهن هو نتاج قرارات اتُّخذت في الماضي، فإن مستقبل صناعة التنقيب والإنتاج يعتمد على الخيارات التي تتخذها الشركات والمشرِّعون والمستهلكون الآن".
وأكّد أن الطلب العالمي على الطاقة سينمو في ظل ما تُظهره جميع المؤشرات. وتطرّق القحطاني إلى المشهد الحالي، ذاكرًا بأن التراجع الذي حدث، مؤخرًا، للنمو الاقتصادي للصين يُعدّ مثار قلق، ومع ذلك تشير التوقعات إلى أن حوالي 300 مليون مُستهلك صيني سينضمون إلى شريحة الطبقة المتوسطة على مدى العقد المقبل، حيث سيعتمدون على استهلاك مزيد من الطاقة في حياتهم. وهذا الشكل، بحسب القحطاني، سيتكرر في مختلف بلدان العالم النامية.
ويُعدُّ انخفاض الأسعار لفترات طويلة من العوامل الإضافية التي تهدِّد نمو الإمداد في المستقبل، الأمر الذي سيؤدي إلى التأجيل المستمر لمشاريع التنقيب والإنتاج، هذا إلى جانب الانخفاض الطبيعي للإنتاج من حقول النفط التي سبق تطويرها. وعن هذا قال محمد القحطاني: "إذا لم نجد سُبُلًا للاستثمار في المشاريع الرأسمالية والتقنيات الجديدة اليوم، فإن توفُّر الإمدادات لتلبية الطلب العالمي على مدى العقدين المقبلين قد يكون مُهدَّدًا".
وتساءل القحطاني عن مدى استعداد الصناعة لتوفير إمدادات كبيرة إضافية، وهل نسير باتجاه مستقبل طاقة قوي أم ضعيف؟
للإجابة عن هذا السؤال، أشار القحطاني إلى المفهوم القديم لمثلث الموارد، وقال: "يحتوي كوكبنا على موارد هائلة من النفط والغاز، لكن الموارد عالية الجودة والتي من المجدي اقتصاديًا استخراجها لا تشكِّل سوى نسبة ضئيلة نسبيًا من هذه الموارد". وأضاف القحطاني بأن هذه الموارد تُستخرج أولًا، كما هو مُتوقَّع، حيث لا يمكن الاستفادة من الكميات الهائلة الأخرى المُتبقية إلا بوجود تقنيات مُتقدمة وأسعار سوق مواتية بصورة أكبر.
خمسة عوامل أساس للنجاح
هذه هي المعضلة التي تواجهها الصناعة، ومع ذلك يجب على قطاع التنقيب والإنتاج الاستمرار في إيجاد الحلول لها. وحدّد محمد القحطاني خمسة عوامل أساس للنجاح؛ استقطاب رؤوس الأموال، وإدارة التكاليف، والأيدي العاملة، والبحوث والتطوير، والمرونة بالتنوّع.
- استقطاب رؤوس الأموال: يجب على المُوردين التركيز على المستقبل البعيد حتى وإن كانت تقلبات السوق لا تُشجّع على الاستثمار. وقال محمد القحطاني: "التحديات تحدث لكون صناعتنا تنطوي إجمالًا على دورات طويلة وعائدات مالية على فترات زمنية أطول من غيرها. هذا إلى جانب النظرة السلبية بسبب بعض الأطراف التي شهدت عزوفًا عن الاستثمار في النفط وكذلك الرؤية المتشائمة لسياسات الطاقة العالمية التي ستحجب موارد نفطية كبيرة". وأضاف: "بالنسبة لنا في أرامكو السعودية، فقد تبنّينا دائمًا نظرة مستقبلية طويلة المدى للسوق".
- إدارة التكاليف: يعاني قطاع التنقيب والإنتاج من انخفاض في الإنفاق بنسبة %20، الأمر الذي يؤدي إلى الحد من فرص الوصول إلى الموارد التي يصعب استخراجها أكثر من غيرها وتطويرها. ووفقًا للقحطاني، فإن جزءًا كبيرًا من ذلك الانخفاض سببه الاقتصاد في النفقات التشغيلية وتدابير أخرى قصيرة الأمد، مع نجاح بعض الشركات في التوفير من خلال إعادة التفاوض على العقود وإعادة تقديم العطاءات للمشاريع. وقال: "هذا التوفير قد يتلاشى مع تزايد النشاط لاحقًا". ولذلك حثَّ القحطاني الشركات العاملة في مجال الهندسة والتوريد والإنشاء على التعاون والتركيز على الجهود التي تُسهم في الحد من التكاليف وتحقق استدامة أطول، إلى جانب ضمان المحافظة على السلامة والبيئة. ومثالٌ على ذلك، العمل بصورة أكبر على توحيد معايير المعدات والمواد إضافة إلى أساليب مبتكرة أخرى.
- الأيدي العاملة: ذكر محمد القحطاني أن أكثر من ربع مليون وظيفة تلاشت مع انخفاض أسعار الطاقة، وقال: "ما تواجهه صناعة النفط من نقصٍ في الأيدي العاملة هو أمرٌ مُزمِن بسبب دورات الارتفاع والهبوط في الأسعار، لكنها اليوم تواجه أيضًا مشكلة أن الأيدي العاملة بدأت تشيخ، ويجب علينا كصناعة أن نتطرق لهذا الأمر وأن نُقنع شبابنا ذكورًا وإناثًا بوجود مستقبل باهر لهم في صناعة النفط". واستطرد قائلًا إن أرامكو السعودية تركّز في هذا المجال على رؤية بعيدة المدى، وذلك من خلال ابتعاث الطلاب سنويًا في أرقى الجامعات المعنيّة بعلوم الأرض سواء للحصول على الشهادات الجامعية أو لاستكمال دراساتهم العليا.
- البحوث والتطوير: أصبح لزامًا على الصناعة إيجاد تقنيات جديدة لاكتشاف موارد جديدة للطاقة، وأوضح القحطاني أن أرامكو السعودية مستمرة في الاستثمار في مجال البحوث والتطوير وتطوير التقنيات في التنقيب والإنتاج، والتكرير والمعالجة والتسويق، وإدارة الكربون، من خلال شبكة مراكز البحوث ومكاتب التقنية التابعة لها في العالم. وسلَّط القحطاني الضوء على عدة تقنيات، بما فيها الغواصات ذاتية التوجيه، والسوائل الذكية لاستخلاص النفط، وتقنية قيقاباورز أهم أجهزة محاكاة المكامن في الشركة.
- المرونة: أفاد محمد القحطاني أن تنوع الأعمال قد يشكِّل استراتيجية مهمة للنجاح للكثير من الشركات، فقد أظهر الانخفاض الحالي أن نتائج الشركات التي تتبع أسلوبًا تكامليًا أكثر، أي الموازنة بين التنقيب والإنتاج والتكرير والمعالجة والتسويق، كانت أفضل من "نظيراتها الأقل تكاملًا". وذكر محمد القحطاني أن مستقبل شركات النفط، خاصة في قطاع التنقيب والإنتاج، سيكون أكثر تعقيدًا وتحديًا "مما سبق لنا مواجهته في الماضي". وأضاف أن الشركات الناجحة في قطاع التنقيب والإنتاج "ستكون تلك التي تستطيع أن تنافس في بيئة متقلبة أكثر وتظهر قدرة أكبر على مرونة ولديها رؤية وشغف للابتكار".
دعوا الأسواق تؤدِّي دورها
معالي وزير البترول والثروة المعدنية، المهندس علي بن إبراهيم النعيمي
الاستفسارات الإعلامية
جميع استفسارات وسائل الإعلام يتم التعامل معها من قبل إدارة الإعلام والتواصل التنفيذي في أرامكو - قسم العلاقات الإعلامية. الظهران - المملكة العربية السعودية