أسس مركز الأبحاث المتقدمة لمركز التنقيب وهندسة البترول (مركز إكسبك للأبحاث المتقدمة) في أرامكو السعودية لإجراء أعمال بحث وتطوير متقدمة في قطاع التنقيب والإنتاج، ولابتكار تقنيات متطورة واختبارها ميدانيًا في أكبر حقول النفط والغاز وأكثرها إنتاجًا في العالم.
تحظى جهود المركز بالتكريم على الصعيد الدولي ضمن فعاليات منتظمة، حيث ظفر مركز إكسبك للأبحاث المتقدمة بعشرين جائزة دولية مرموقة حتى نهاية هذا العام 2016م. وقد حصل المركز، مؤخرًا، على سبيل المثال على جائزتين دوليتين لقاء إحدى تقنياته والتي تُدعى "منارة"، التي أطلقت مؤخرًا للاستخدام الميداني للتعامل مع إحدى الصعوبات التي تنطوي عليها أعمالنا في مجال التنقيب والإنتاج.
حصل المركز على جائزة التقدير الخاصة للابتكار الهندسي لعام 2016م، التي تقدِّمها مجلة إي آند بي لقاء نظام منارة لإدارة الإنتاج والمكامن. وقُدِّمت هذه الجائزة خلال مؤتمر التقنيات البحرية في هيوستن.
وفاز المركز أيضًا عن فئة أفضل تقنية إنجاز لتقنية "منارة" خلال حفل توزيع جوائز النفط العالمية في هيوستن بولاية تكساس الأمريكية الذي حضره أكثر من 300 مشارك متميز.
وتُعد جوائز التقدير الخاصة للهندسة والابتكار، التي انطلقت منذ 47 عامًا، برنامجًا مرموقًا للجوائز الهندسية يتميز بكونه الأكثر عراقة في قطاع النفط والغاز. ويخضع المترشحون لهذه الجوائز لتقييم يعتمد على مقدار التغيير الجذري الذي تحدثه التقنيات من الناحيتين الفنية والاقتصادية. كما برزت جوائز النفط العالمية منذ 15 عامًا لتكريم أفضل المبتكرين والإشادة بأبرز الابتكارات في التنقيب والإنتاج في قطاع النفط والغاز.
ويتعاون علماء ومهندسو مركز إكسبك للأبحاث المتقدّمة مع عديد من إدارات أرامكو السعودية: إدارة المكامن في منطقة الأعمال الشمالية، وإدارة وصف ومحاكاة المكامن، وإدارة الحفر الفنية، وإدارة هندسة الحفر في منطقة الأعمال الشمالية، وإدارة هندسة الإنتاج في منطقة الأعمال الشمالية، وإدارة أساليب التصنيع والمراقبة، وإدارة الإنتاج وتطوير المرافق، وإدارة الإنتاج في الشيبة، وفريق إدارة مشروع الشيبة.
واضطلعت شركة شلمبرجير بدور الطرف المتعاون الخارجي الرئيس حيث تولت دمج أحدث تقنية من تقنيات الآبار الذكية مع تقنية التشعب لاستحداث آبار بأقصى درجات التماس مع المكامن.
تعليقًا على هذا الإنجاز، قال نائب الرئيس لهندسة البترول والتطوير، الأستاذ ناصر النعيمي: "بما أن أرامكو السعودية تتعامل مع عددٍ من أطول الآبار الأفقية في العالم، فإنها تملك مقدرة كبيرة على تسخير هذه التقنية في عددٍ من التطبيقات التي يمكن أن تُسهم جميعها في تحسين استخلاص النفط والغاز والإيرادات للمملكة على المدى البعيد".
نظام منارة
يرتقي نظام منارة، الذي يخضع حاليًا للاختبار الميداني النهائي في حقل الشيبة، بأحدث الابتكارات التقنية إلى أقصى حدٍ من خلال الجمع بين الصمامات المتعددة، والقدرة على جمع بيانات مباشرة لجميع فروع البئر الأفقية المتشعبة. ويمنح قياس معدلات التدفق وضبطه في جميع أقسام الآبار الأفقية المتشعبة، مهندسي البترول القدرة على زيادة معدل استخلاص المواد الهيدروكربونية بمرور الوقت من كل بئر تتبع هذا الأسلوب.
يقول بريت بولدين، الذي يعمل استشاري هندسة بترول في مركز إكسبك للأبحاث المتقدِّمة، والذي شارك في تقنية منارة منذ انطلاقها: "يتميز هذا النظام بتوفيره معلومات مباشرة أثناء الإنتاج من جميع أقسام البئر الأفقية". وأضاف: "تخيل الأمر كما لو أنك تقود سيارتك دون أن تتمكن من رؤية ما يجري أمامك، ولكننا استطعنا حل هذه المشكلة باستخدام تقنية منارة، فأنت الآن تتمتع بإمكانية الرصد المباشر وهي بمثابة العينين، ولديك صمامات متغيرة وهي بمثابة مقود السيارة، ولديك شخص يشغلها وهذا يمثل عملية صنع القرار، وقد قمنا بتطوير نظام بأسلوب تعاوني مع شركائنا حيث يُطبق هذا النظام الابتكارات التقنية الحالية على التحديات الخاصة بأعمال حقول أرامكو السعودية".
طريقة العمل
يستخدم نظام منارة تقنية - صمامات ذكية ومجسات تدفق وآبار أفقية طويلة – كانت متوفرة من قبل، ولكنه يطبق هذه التقنية بطرق مبتكرة، فهو يجمع بين عدد من الابتكارات الرئيسة وهي:
- الحفر الأفقي المتشعب الذي يوفر ثقوبًا متوازية يتراوح عددها من 3 إلى 5 ثقوب لتحقيق أقصى معدل تماس مع طبقات الصخور التي يوجد النفط فيها.
- صمامات ضبط التدفق التي تحافظ على معدل المواد الهيدروكربونية، وتضبطه عند أقسام متنوعة على امتداد الخط.
- مجسات تدفق لتوفير بيانات مباشرة حول الضغط ودرجة الحرارة ومعدل التدفق ونسبة الماء
وفي حين أن التطبيقات السابقة لنفس هذه التقنيات يمكن أن تكون استخدمت الصمامات بشكل محدود لمراقبة فرع واحد معيَّن من المجموعة المتشعبة، فإن أسلوب تحقيق أقصى درجات التماس مع المكامن الخاص بتقنية منارة يضع صمامات عند عدد من النقاط المختلفة على امتداد كل فرع، الأمر الذي يمنح مهندسي البترول القدرة على معرفة المشكلات والانسدادات وحلها مباشرة، وتساعد هذه القدرات إدارة المكامن بشكل أفضل على ضبط تسرب المياه وتحسين كفاءة جرف النفط في المكمن، كما تسمح الصمامات الكهربائية لتقنية منارة باتخاذ هذه القرارات خلال بضع دقائق.
الاختبارات الميدانية
تتمثل الفكرة في إطلاق الأجزاء المختلفة من منارة على مراحل من أجل معرفة ما إذا كانت ستتحمل ظروف الضغط والحرارة الخاصة في الحقل، وقد اختبرت التجربة الأولى عام 2011م الجوانب الميكانيكية الأساس للنظام، وما إذا كان يمكن تطبيقها في الآبار الأفقية المتشعبة، واختبرت التجربة الثانية عام 2012م الصمامات في الحقل حيث خضعت الأوامر وعملية الرصد للمراقبة من معمل فرز الغاز من الزيت، أما التجربة الثالثة والتي نفذت عام 2014م فقد اشتملت على تركيب كامل للنظام، وبحلول عام 2015م تم تشغيل نظام منارة بشكل كامل، فقد أجريت اختبارات منارة في شهر مايو من ذلك العام وكان النظام جاهزًا لبدء التشغيل التجريبي بشكل كامل.
وتحفر أرامكو السعودية آبارًا أفقية متشعبة بمعدل تماس كبير مع المكمن، حيث يبلغ الطول الإجمالي للعديد منها 10 كيلومترات أو أكثر. وتتصف بعض خصائص صخور المكامن بكونها غير متجانسة فهي ذات صفات مختلفة في عديد من أقسام البئر الأفقية، كما تختلف معدلات التدفق أيضًا، ولذلك يتوجب علينا التعامل مع كل واحد من هذه الآبار الأفقية والأقسام بشكل مختلف، بمساعدة نظام منارة.
التطبيقات المحتملة
لا يشتمل نظام منارة على تطبيقات محتملة في المكامن الكربونية قليلة المسامية والنفاذية فحسب، ولكنه يساعد الشركة أيضًا على استخلاص مزيد من النفط من حقول أخرى يمكن أن يمر فيها حقل واحد في مكامن هيدروكربونية عديدة تختلف عن بعضها بعضًا في خصائصها، حيث يستخدم نظام منارة أدوات ثقوب متطورة تسمح بالعمل في بيئات المياه المالحة، تلك التي تتعطل فيها الوصلات الرطبة، وهذه القدرة ليست مفيدة في البيئات البحرية فحسب، وإنما أيضًا في المكامن البرية التي تصلها المياه الجوفية التي تحتوي على نسبة عالية من الملح.
وثمة تطبيق آخر أيضًا، وهو القدرة على رصد أداء الأدوات القيمة في باطن الأرض، مثل المضخات الكهربائية الغاطسة. حيث يستطيع الحفارون ومهندسو الإنتاج سحب المضخات الكهربائية الغاطسة من خلال البيانات المباشرة من الأدوات المستقلة قبل تعطلها، وإجراء الإصلاحات في الوقت المناسب للحيلولة دون توقف الأعمال، وتتيح القارنات الحثية للمضخات الكهربائية الغاطسة الانفصال عن نظام منارة واسترجاعها، إذ يمكن ببساطة إدخال مضخة كهربائية غاطسة جديدة ومواصلة الإنتاج.
وذكر بولدين أن اسم هذه التقنية منارة مقصود، فهي وسيلة للاهتداء ليس لأرامكو السعودية فحسب، وإنما للشركات الأخرى العاملة.
انطلقت رؤية مركز إكسبك للأبحاث المتقدِّمة لمستقبل الآبار الذكية المتمثلة بتحقيق أقصى درجات التماس مع المكامن عام 2007م، وقد سمحت التقنية القديمة بتركيب هذه الأجهزة في الثقب المركزي للبئر فقط، وليس في الآبار الأفقية، وتسعى تقنية تحقيق أقصى درجات التماس مع المكامن إلى وضع صمامات التحكم ومجسات الرصد في كل مكان بما في ذلك الآبار الأفقية، كما أصبحت رؤية تحقيق أقصى درجات التماس مع المكامن واقعًا ملموسًا في وقتنا الحاضر من خلال نظام منارة لإدارة الإنتاج والمكامن التابع لشركة شلمبرجير.