حقّق قسم التقنيات الجيوفيزيائية بمركز إكسبك للأبحاث المتقدمة إنجازًا مهمًا بإطلاق برنامج فائق الدقة لرسم الخرائط الجيولوجية وتحديد الخصائص الجيوفيزيائية. وقد نجح الحل الجيوفيزيائي المتكامل الذي أطلقته أرامكو السعودية للتصوير الآني الديناميكي وتقدير التسارع (جيودرايف) في إنتاج صورة ثلاثية الأبعاد للطبقات الجيولوجية الجوفية بدقة قياسية تصل إلى 7.5 مليون بكسل.
وتعليقًا على ذلك قال نائب الرئيس للتنقيب في أرامكو السعودية، الأستاذ إبراهيم السعدان: يُعد تحقيق مثل هذا المستوى من الدقة ضروريًا لبلوغ أهدافنا في مجالي التنقيب والتطوير. وجاء إطلاق هذه الأداة المتقدمة المُطورة داخل الشركة في الوقت المناسب، وهي إضافة مهمة إلى قدراتنا على التصوير الجوفي.
من جهته، قال مدير مركز إكسبك للأبحاث المتقدمة الأستاذ علي المشاري: كانت حدود التقنيات الجيوفيزيائية دائمًا وراء المتطلبات الهندسية على مستوى المكامن، حيث يبلغ حجم أصغر الخواص التي يمكن تمييزها في الأساليب الجيوفيزيائية عشرات الأمتار، في حين تتطلب أعمال الحفر والإنتاج المُثلى قياسات دقيقة لا تتجاوز بضعة أقدام. وقد تمكّنا بنجاح من تصوير المكمن المستهدف بدقة كانت فيما مضى أمرًا صعب المنال.
التصوير الجوفي باستخدام التقنية السيزمية
لطالما اتسمت التكوينات المستهدفة لإدارة التنقيب والتطوير في أرامكو السعودية بالكبر البالغ والتكوين البسيط ولمثل هذه التكوينات، كانت الطرق الجيوفيزيائية السريعة والبسيطة كافية لتوفير صورة شاملة للظروف الجيولوجية الجوفية. غير أن هذه التكوينات أصبحت في الآونة الأخيرة أكثر تعقيدًا على نحو متزايد في بيئات صعبة، مثل الطبقات منخفضة الضغط، والمكامن الطبقية، ومكامن ما دون الطبقات الملحية، والمكامن المكسرة طبيعيًا. وفي مثل هذه البيئات، تُعد محاكاة الانتشار المادي للموجات السيزمية بدقة من خلال جوف الأرض خطوة أساسية لاستخراج النماذج الجوفية من البيانات السيزمية.
وعلى الرغم من مثالية ذلك من الناحية النظرية، فثمة العديد من العقبات التي تحول دون استخدام تقنيات التصوير السيزمي المتقدمة في أعمال الإنتاج. وتتم محاكاة البيانات السيزمية الهائلة، عادة بصورة بيتابايتس (1015 بايت)، على هيئة نماذج ثلاثية الأبعاد تتكون من عدة مليارات من الخلايا. وعلاوة على ذلك، يتطلب كل تطبيق تصوير العديد من عمليات المحاكاة لكل جزء من البيانات، مما ينتج عشرات الآلاف إلى مئات الآلاف من عمليات المحاكاة.
إن حجم البيانات وحجم النموذج وعدد أعمال المحاكاة تجعل تقنيات التصوير المتقدمة غاية في الصعوبة وغير فاعلة في استخدام موارد الحوسبة، حتى عند استخدام أكبر الحواسيب العملاقة في العالم. ونتيجة لذلك، تقتصر معظم التطبيقات التقليدية على مناطق أصغر، مع دقة محدودة وخصائص طبيعية تقريبية وفيزياء مبسطة لانتشار الموجات.
لقد أحدثت التكلفة الحاسوبية الضخمة للمحاكاة السيزمية الدقيقة فجوة بين التقدم النظري في العالم الأكاديمي والتطبيقات الصناعية العملية. ومع ذلك، فإن البحث المستمر للتنقيب عن أهداف أكثر طموحًا قدّم لنا بيئة مثالية لتسريع مسار تنفيذ المنجزات الأكاديمية في مجالات الصناعة. وأتاح ذلك فرصة فريدة لبناء حل مبتكر يمكن أن يفي باحتياجاتنا الحالية، فضلاً عن الاحتياجات المستقبلية للباحثين والمختصين.
تعاون مثمر بين الجامعة والمركز
للتصدي لهذا التحدي متعدد الجوانب، ولتمكين ومساندة الجيل القادم من التصوير العميق وخوارزميات تقدير النماذج، عمل قسم التقنيات الجيوفيزيائية، بالتعاون مع فريقي مركز أبحاث الحوسبة الفائقة والمختبر الأساس لأبحاث الحوسبة في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية على تطوير جيودرايف. وهذه المنصة المتكاملة للتصوير السيزمي مصمّمة للحواسيب العملاقة المتوازية مع وحدات محاكاة معززة وبنيات نموذجية.
وتم تطبيق أول إصدار مسبق من جيودرايف بنجاح على البيانات السيزمية ثلاثية الأبعاد في حقل مدين باستخدام كمبيوتر شاهين 2 العملاق في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية بالتعاون مع إدارة البحر الأحمر. واستخدمت المنصة المتكاملة المصممة داخليًا أكثر من 100 ألف عينة لحساب 54 ألف محاكاة سيزمية. وأصبحت هذه القدرة الحاسوبية الهائلة ممكنة بفضل كمبيوتر كراي شاهين 2 العملاق، المصنّف في المرتبة 18 ضمن نُظُم الحوسبة في العالم.
وخلال هذا التعاون، حشدت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية مواردها لتمكين مركز إكسبك للأبحاث المتقدمة من استخدام شاهين 2، بالإضافة إلى توفير الموظفين الاختصاصيين لدعم برامج النظام والتحسين لضمان سلاسة وكفاءة التشغيل. وقد تكاملت خبرات جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في مجال الحوسبة عالية الأداء مع خبراتنا الجيوفيزيائية بشكل فاعل خلال هذا التعاون، وضربت أروع مثال على تضافر الجهود.
وبهذا الشأن، قال مدير مركز أبحاث الحوسبة الفائقة في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، السيد ديفيد كيز: "هذه لحظة طال انتظارها في تاريخ التعاون بين أرامكو السعودية والجامعة. إنها تمثل أكثر من مجرد تعاون أكاديمي؛ فقد نفذت عملية إنتاج حقيقية بمعدل قياسي عال. ويسخّر تعاوننا استخدام البرمجيات المتقدمة في أطروحات رسائل الدكتوراه لخريجي علوم الكمبيوتر في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية الذين ترعاهم أرامكو السعودية؛ وأحدهم الآن يوفر الدعم لأرامكو السعودية من داخل مركز أبحاث إنتل حول الاستخدام الفاعل لمعالجات إنتل متعددة النواة في كل عُقدة من شاهين 2".
مستقبل دراسة الخصائص الجوفية
الهدف من الأساليب الجيوفيزيائية هو تمكين علماء الجيولوجيا من بناء نماذج أرضية عالية الدقة والوضوح بشكل تفاعلي وكفء. ولتحقيق هذا الهدف، يسعى قسم التقنيات الجيوفيزيائية لابتكار جيل جديد من الحلول الجيوفيزيائية، وتقديم ما يفوق الصور السيزمية. والهدف النهائي هو تقدير نموذج أرضي ديناميكي لكامل المملكة، يوفّر المعلومات الأساس عن المكمن في الوقت الفعلي، حيث سيتطلّب هذا التغيير الأساس إجراء تغيير شامل لطريقة دراسة الخصائص الجوفية في صناعتنا.
أشار فريق تطوير جيودرايف إلى أن الحلول المستقبلية الرائدة في مجال التنقيب والإنتاج تحتاج أن تجمع تكامل البيانات متعددة التخصصات والحوسبة فائقة الأداء والتقنيات المتقدمة وسهولة الاستخدام تحت مظلة واحدة؛ إذ أن "تحقيق الدقة الفائقة ليس سوى الهدف الأول ضمن عدة أهداف طموحة نسعى إلى تحقيقها لأرامكو السعودية".
الاستفسارات الإعلامية
جميع استفسارات وسائل الإعلام يتم التعامل معها من قبل إدارة الإعلام والتواصل التنفيذي في أرامكو - قسم العلاقات الإعلامية. الظهران - المملكة العربية السعودية