تمتد رحلة مركز إكسبك للأبحاث المتقدِّمة لابتكار تقنية لسد المناطق المسامية المتسبِّبة في فقدان سوائل الحفر، ومبنية على نوى التمور، لتغطي دورة كاملة من عدة مراحل ابتداءً من فكرة بسيطة وحتى استغلالها تجاريًا. إذ بدأت أولى خطى هذه الرحلة من مجرد إلهام، ومرّت بالبحث ثم التوسع فالاختبار الميداني وصولًا إلى منتج تجاري يتصدى للتحديات المتمثلة في فقدان سوائل الحفر والطين في أعمال الحفر. وتضافرت في هذه جهود كثير من الأشخاص والشراكات المحلية حتى تحقَّقت هذه الفكرة على أرض الواقع.
وتُعد هذه التقنية الجديدة مثالًا راسخًا على التزام الباحثين في مركز إكسبك للأبحاث المتقدِّمة بالتوصل إلى حلول مبتكرة للاستفادة من منتجاتنا المحلية لتحل محل المواد المستوردة. ولا تدل قصة تقنية مركز البحوث المتقدمة لسد المناطق المسامية المتسببة في فقدان سوائل الحفر المبنية على نوى التمور على جدوى هذا المنتج الجديد فحسب، بل تُظهر أيضًا كيف يمكن الجمع بين صناعتي التمور والزيت والغاز معًا بما يعود بالنفع على كلتيهما. وبهذه التقنية، استطاع مركز إكسبك للأبحاث المتقدِّمة أداء المهمة الموكلة إليه والتي تتمثل في ابتكار تقنيات تلبي الأهداف الاستراتيجية في التنقيب والإنتاج، والتصدي لتحديات تشغيل الأعمال الحالية والمستقبلية، والاتساق مع رؤية المملكة فيما يتعلق بالتوطين.وفي هذا الصدد، قال النائب الأعلى للرئيس للتنقيب والإنتاج الأستاذ محمد يحيى القحطاني: «تدعم تقنية مركز البحوث المتقدِّمة لسد المناطق المسامية المتسببة في فقدان سوائل الحفر رؤية المملكة 2030 من خلال زيادة فاعلية أهداف برنامج تعزيز القيمة المضافة الإجمالية داخل المملكة (اكتفاء)، وزيادة الخبرة الفنية الوطنية، واستحداث فرص العمل. وبالإضافة إلى تحقيق أهداف التنقيب والإنتاج، فإن هذه التقنية تعزِّز اقتصادنا من خلال التوطين وتصدير المواد الكيميائية.
عرفت عادة جمع التمر منذ القدم، حيث إن تنظيف وإزالة الأوراق القديمة يولد كمية ضخمة من نفايات التقليم التي تستخدم في أعمال الحفر في أرامكو السعودية.
البداية: مجرد فكرة في حديقة
بدأت القصة في سبتمبر عام 2015م، عندما كان الباحث الأعلى والرائد في مجال سوائل الحفر في مركز إكسبك محمد أمان الله يقضي عطلة نهاية أسبوع هادئة في منزله في الظهران، ويهتم بالحديقة الخلفية لمنزله، حيث يزرع عديدًا من النباتات المحلية بالإضافة إلى نخلة كبيرة. واستوحى أثناء قطفه للقليل من تمرها فكرة أن تكون نواة التمر المتروكة بديلًا محتملًا لقشور الجوز التي كانت تُستخدم عادةً لتصنيع منتجات سوائل الحفر.وأثارت هواية البستنة الفضول المتأصل في أعماق الباحث، فكرة استخدام مخلفات تقليم أشجار النخيل المهملة وسعفها ورؤوس الثمار والنخل الميت. فحمل مع هذه الفكرة بعض العيِّنات إلى مختبره في صباح اليوم التالي لاختبارها.
الاختبار المبكر
أجري الاختبار الأول بمجرد الوصول إلى مركز إكسبك للأبحاث المتقدِّمة، وحقق نتائج أفضل ممّا توقعه أمان الله. فقد كشفت نوى التمور عن الخصائص التي لم تستوف خصائص قشور الجوز المستوردة فقط بل تجاوزتها أيضًا. ثم بحث عن مصادر محلية إضافية لتوسيع اختباراته الأولية، فقاده الأمر إلى معهد بحوث التمور في الأحساء. ورحَّب موظفو المعهد به، ورتّبوا زيارة لفريق أمان الله، حيث جمعوا أنواعًا مختلفة من نوى النخيل والمناطق لتكرار مرحلة الاختبار وتوسيعها.واكتشف الفريق أن جميع أنواع نوى التمور تندرج ضمن نطاق ضيق من الخواص الميكانيكية، وكانت جميعها مناسبة لتصنيع منتج جديد. واستنادًا إلى هذا العمل المبكر، فقد قدم طلبًا لتسجيل براءة الاختراع لحماية الفكرة للتطوير المستقبلي كمنتج تجاري محتمل.
السعي إلى الحصول على التأييد
في أثناء شرح المشروع لباحثٍ شابٍ، طرح عليه أمان الله سؤالًا مفاده: «ما هما أهم منتجين تنتجهما وتستهلكهما وتصدرهما المملكة العربية السعودية؟» وأجاب الباحث الشاب: «النفط الخام والتمور؟» واتبعه أمان الله بسؤال ثانٍ: «ماذا لو أخذنا مخلفات المواد من صناعة التمور وحقناها في آبار النفط لحل مشكلات الحفر طويلة الأمد؟» وبقية القصة ستصنع التاريخ.وشدَّد الباحث أيضًا على أنه من خلال هذه التقنية الجديدة المبنية على نوى التمور يمكننا أن نضرب عصفورين بحجر، إذ يمكنها أن توفر حلًا لمشكلة التخلص من نفايات صناعة النخيل واستخدام المنتجات المحلية في صناعة الزيت والغاز، كما يمكنها أيضًا أن تكون بمثابة محفز قوي لنمو المؤسسات والصناعات المحلية لتوفير مصدر مستدام لتوريد المنتجات المطورة محليًا.
وقال محمد العرفج، الذي عمل مع أمان الله على نقل هذه التقنية من المختبر وإجراء الاختبارات على أرض الواقع في آبار الحفر: «كان من المستحيل الربط بين الصناعتين واستخدام شيء نتخلص منه يوميًا مثل نوى التمور للمساعدة في التصدي لمختلف التحديات في التنقيب عن النفط، مثل فقدان سوائل الحفر في التكوينات المحفورة».
أظهر الاختبار الأول أداءًا رائعًا وأكد أن المُركّب يسد التكوينات الصخرية في آبار الزيت والغاز بشكل فاعل أثناء الحفر، وكانت هذه بداية الرحلة الرسمية لتطور تقنية مركز البحوث المتقدِّمة لسد المناطق المسامية المتسببة في فقدان سوائل الحفر.
وفي هذا الصدد، قال نائب الرئيس لهندسة البترول والتطوير، الأستاذ ناصر النعيمي: «يمتلك مركز إكسبك للأبحاث المتقدِّمة سجلًا قويًا من العمل عن كثب مع أصحاب الشأن لفهم التحديات التي نواجهها في مجالنا وتقديم حلول تقنية فاعلة وذات تأثير كبير.وتقنية مركز البحوث المتقدِّمة لسد المناطق المسامية المتسببة في فقدان سوائل الحفر هي قصة نجاح نموذجية توضح القوة الخلاّقة التي تدفع المركز ليكون مركزًا دوليًا رائدًا ومشهورًا في البحث والتطوير
الباحث في مركز إكسبك لألبحاث المتقد ُمة، محمد العرفج، يفحص جودة نوى التمر المطحون، التي تعد إحدى مراحل تقنية سد المناطق المسامية المتسببة في فقدان سوائل الحفر.
التجارب الميدانية
بعد مراجعة هذه التقنية، حدّد الفريق الشركاء الاستراتيجيين المحليين لمعالجة نوى التمور وإنتاجها بكميات كبيرة وفقًا لأحجام ومواصفات الجسيمات المطلوبة. واحتاج المنتج الجديد عقب ذلك أن ينتقل من المختبر والمصنع إلى العالم الحقيقي في حقل النفط، وذلك لاختباره ميدانيًا.عمل العرفج عن كثب مع مهندسي الحفر المختصين واختصاصيي سوائل الحفر لتحديد الآبار المرشحة المحتملة التي تنطبق شروطها على تقنية مركز البحوث المتقدمة لسد المناطق المسامية المتسببة في فقدان سوائل الحفر. وبعد اختيار ثلاث آبار مرشحة، استمرت الاتصالات مع المسؤولين المعنيين لضمان التشغيل الآمن. ثم جاءت لحظة ضخ هذه المادة «القيّمة» في قاع البئر، بدلًا من رميها!
في التجربة الميدانية الأولى، حفر الفريق حتى عمق بضعة آلاف الأقدام، حيث واجه خسائر جزئية في سوائل الحفر. وفي الحال، دمجت التقنية الجديدة في نظام سوائل الحفر النشط. وسرعان ما بدأت في القيام بعملها، ونجحت في الحد من مشكلة فقدان سوائل الحفر. وعلاوة على ذلك، تم اختبار المنتج الجديد في الآبار الأخرى أثناء حفر تشكيلات مختلفة في ظروف مختلفة. وقد استوفى المنتج جميع معايير النجاح المحددة، وأثبت قابلية تطبيقه الجديد كبديل للمنتجات المستوردة.
وباختبار المنتج والتحقق منه كحلٍ ناجح ومؤكد، تبلورت التجارب الشاقة بالمختبر إلى حل موثوق به للحفر، وسهلٌ الوصول إليه.
أحد الباحثين يقوم باختبار التقنية الجديدة.
المزايا الاقتصادية
يقول الدكتور محمود أبو غبن، الذي قدَّم، مؤخرًا، استراتيجية الاستغلال التجاري لمركز إكسبك للأبحاث المتقدِّمة: «في الوقت الحالي، نحن نستورد 0 من إمداداتنا من الشركات التي تنتجها في الخارج، وبتكلفة إضافية». ومع تسجيل براءة الاختراع الجديدة لنتيجة بحث الدكتور أمان الله، وتأكيد توريد نواة التمر التي تتطلب حاليًا التخلص منها، أصبح من الممكن البدء في تصنيع هذا المنتج بشكل روتيني.وبالتعاون مع إدارة الاستراتيجية والتخطيط في التقنية، أٌجري تحليل اقتصادي صارم لتأكيد الاقتصاد في النفقات بناءً على تكلفة المواد، ونفذت طريقة تصنيع مقترحة. وأكد التحليل أن شريكًا استراتيجيًا في المملكة سيمكّن أرامكو السعودية من تصنيع تقنية مركز البحوث المتقدِّمة لسد المناطق المسامية المتسببة في فقدان سوائل الحفر بسعر منخفض، مقارنةً بقشور الجوز، وفي الوقت نفسه يُعطي دفعة للاقتصاد المحلي. وتم استخدام هذه العينات، بالإضافة إلى النتائج الموثقة التي أشار إليها الدكتور العرفج أثناء التجارب الميدانية، لتصنيف المنتج رسميًا برقم ساب من أرامكو السعودية لتسجيل المنتج رسميًا في النظام.
وبعد التأهل للاستخدام الروتيني، بات من الضروري توقيع عقد عمل رسمي مع شريك استراتيجي قادر على إنتاج الكميات المطلوبة في الحقل. وتم تحليل عديد من الشركات قبل اختيار نوع الأعمال الملائمة والشريك الأقدر، للحصول على ترخيص الملكية الفكرية (آي بي) المطلوب لإنتاج هذه التقنية المبتكرة وبيعها واستخدامها.
تكريم المبدعين
في كلمة تقدير لأهمية هذه التقنية المبتكرة، قال نائب الرئيس للحفر وصيانة الآبار، الأستاذ عبدالحميد الرشيد: «خلال الرحلة، من الإلهام الذي بدأ في الحديقة مرورًا بجميع مراحل البحث والتطوير، قدمت دائرة الحفر وصيانة الآبار دعمًا تعاونيًا مستمرًا. ونحن سنستفيد من المنتج في الاستخدام الروتيني لتقنية مركز البحوث المتقدِّمة لسد المناطق المسامية المتسببة في فقدان سوائل الحفر ابتداءً من الربع الأول من العام 2019م. إن المنتجات الجديدة المعتمدة على النخيل والمصممة لتحل محل المنتجات المستوردة باهظة الثمن ، يمكنها أن تقلل إلى حدٍ كبير من تكاليف الحفر».وقد حظيت النجاحات المتعدِّدة لتقنية مركز البحوث المتقدِّمة لسد المناطق المسامية المتسببة في فقدان سوائل الحفر بتكريمٍ دولي كحلٍ تقني عملي وفاعل. فمنح مجلس المهندسين في أرامكو السعودية الفريق جائزة لتطوير منتجاته المبتكرة باستخدام نفايات صناعة النخيل. ثم فازت التقنية بجائزة الإبداع الفني للعام 2017م من «مؤتمر الشرق الأوسط للنفط والغاز والتكرير والبتروكيميائيات». كما لفت هذا الاختراع انتباه المجتمعات المهنية والتجارية على الصعيدين المحلي والدولي نظرًا لأثره الاقتصادي والتقني والاجتماعي، وكتبت عنه عديد من الصحف المحلية والدولية مثل عرب نيوز، وأخبار الرياض، ومجلة إنترناشيونال أويل آند غاز إندستريز.
لقد قطعت أرامكو السعودية شوطًا طويلًا في أبحاث التنقيب والإنتاج الكيميائية والتطوير، من التقييم البسيط إلى التطوير الكيميائي الكامل، مع مئات من الأفكار وبراءات الاختراع التي تحوَّلت إلى منتجات تم استغلالها تجاريًا بعد ذلك. وخلال هذا التحول، كانت المواد الكيميائية المطورة إما بديلًا للمواد الكيميائية المستخدمة حاليًا بتكلفة أقل، أو حلولًا مبتكرة تستفيد من الموارد المحلية للمملكة.
ويقول مدير مركز إكسبك للأبحاث المتقدِّمة، الأستاذ علي المشاري: «لكل مشروع تقني قصة إلهام وتحديات. إن هذه الإسهامات الناجحة من مركز إكسبك للأبحاث المتقدِّمة تعد مكملًا هائلًا لجهودنا وإستراتيجية أعمالنا. والآن، مع تقنية مركز البحوث المتقدِّمة لسد المناطق المسامية المتسببة في فقدان سوائل الحفر، أضاف خبراؤنا تقنية أخرى إلى أعمال الشركة الضخمة».