تحت عنوان «أسعى»، وفي إطار التوجه نحو أهم مراكز التقنية حول العالم، للبحث عن كل ما هو جديد لتطوير أساليب التنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما، عقد مركز الأبحاث المتقدِّمة في إكسبك منتدىً في وادي السيليكون في ولاية كاليفورنيا الأمريكية الذي يُعد حلقة وصل عالمية بين الابتكار والفرص، وذلك بهدف الوصول إلى روَّاد الأعمال والتعاون معهم في تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلات وتحليل البيانات في قطاع التنقيب عن البترول وإنتاجه.
استمر المنتدى الذي عُقد في مينلو بارك الواقعة في قلب وادي السيليكون لمدة يومين. وشارك فيه أكثر من 70 شخصًا، من بينهم ممثلون عن مركز الأبحاث المتقدِّمة في إكسبك، وشركة خدمات أرامكو، ومركز أرامكو للأبحاث في مدينة هيوستن، بولاية تكساس الأمريكية. وانضم المشاركون إلى روَّاد التقنية في وادي السيليكون، من أصحاب الشركات وكبار الإداريين التنفيذيين والعلماء والمستثمرين وأساتذة الجامعات المتخصصين في تطبيقات الذكاء الصناعي وتعلّم الآلات وتحليل البيانات والطرق الحاسوبية.
وحضر المنتدى كذلك أعضاء المجلس الاستشاري الدولي لمركز الأبحاث المتقدِّمة وطلبة ابتعثتهم أرامكو السعودية إلى الجامعات الأمريكية، بما في ذلك طلبة من جامعة ستانفورد القريبة من مكان انعقاد المنتدى. وعُقدت في اليوم الأول من المنتدى جلسة عامة تضمنت تقديم عروض تقنية، في حين عُقدت في اليوم الثاني اجتماعات فردية بين مركز الأبحاث المتقدمة في إكسبك وشركاء محتملين لمناقشة فرص التعاون المحتملة.
التوق للتعرف على إمكانات الذكاء الاصطناعي
افتتح مدير مركز الأبحاث المتقدِّمة في إكسبك، الأستاذ علي المشاري، المنتدى بكلمة ترحيبية، وخاطب الحضور قائلًا: «نتشرف بلقائكم في وادي السيليكون للتعاون مع أنبغ العقول في مجال الأبحاث، للمساعدة في إيجاد حلول لبعض أصعب التحديات التي تواجه صناعتنا». وأضاف: «نرى أن هناك فرصة كبيرة لتطبيق الذكاء الاصطناعي لاستخلاص قيمة أكبر من البيانات التي نجمعها ونخزنها في أعمالنا الحقلية. ونتوق للتعرف على مثل هذه الإمكانات لتعزيز قدراتنا على اتخاذ القرارات، وتحقيق إنجازات جديدة».
وقال المشاري أيضًا إن لدى مركز الأبحاث المتقدِّمة في إكسبك عددًا من مشاريع البحث قيد التنفيذ، تتعلق بإدارة البيانات واستخدامها. وأضاف: «حتى المكاسب البسيطة في هذا المجال قد تؤدي إلى تحسينات تشغيلية كبيرة».
من جهته، قدَّم المستشار في هندسة البترول في مركز أرامكو للأبحاث في هيوستن، ويتشانغ لي، عرضًا حول ما للذكاء الاصطناعي- تعلّم الآلات من آثار كبيرة على قطاع الطاقة. وعدّد الفرص التي تُمكِّن الخبراء في هذا المجال وعلماء الحاسوب من العمل معًا لتطبيق التقنيات الجديدة المتطورة، وتحسين معالجة البيانات السيزمية وتفسيرها، وتحليل خصائص سجلات الآبار، ومراقبة الإنتاج ورفعه، تعزيز وكفاءة الحفر والحد من المخاطر، وتحديد خصائص صخور المصدر ومعايرة الخام.
العروض المقدّمة في وادي السيليكون
وتكلم المتحدثون المشاركون في المنتدى عن اختراعاتهم وأعمالهم الجديدة في مجال الذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلات، التي تضع معايير جديدة لإدارة البيانات الضخمة وتفسيرها ووضع نماذج لها، بحيث تصبح أجهزة الكمبيوتر قادرة على تحقيق نتائج قد تتجاوز القدرات البشرية حرفيًا.
فقد اتفق الخبراء عمومًا على أن أداء قطاع النفط والغاز في جمع وتخزين البيانات كان استثنائيًا على مدى العقود الماضية، إلا أن قيمة هذه البيانات لم تُستغل تمامًا، إذ توجد، حسبما قالوا، كميات ضخمة من المعلومات المجمعة والمخزنة، لكنها موزعة على عديد من الأعمال والنطاقات التشغيلية التي لا تتبادل هذه المعلومات فيما بينها، مما يجعل من المحال استخلاص القيمة العميقة «المتوارية» في تلك البيانات، إذا لم تُطبّق برامج الذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلات.
وكانت ألفا إكس ديسجن ساينسز من بين الشركات المشاركة في تقديم العروض، فتحدثت كبيرة مسؤولي التشغيل فيها، أرونا فيسواناثان، عن تطوير شركتها لبرامج الذكاء الاصطناعي «التنبؤي والإلزامي»، والحلول البرمجية السحابية التي يُمكن لتطبيقها المساعدة في تسريع تبني برامج الذكاء الاصطناعي في صناعة النفط والغاز.
وتحدَّث عضو مجلس إدارة الشركة نفسها، الدكتور رام شنوي، عن استخدامات تعلم الآلات وتحليلات البيانات، لتحقيق دقة متناهية في التصوير السيزمي بما يسهل على العلماء الجيولوجيين تكبير ما يحتاجون لرؤيته بالضبط داخل مكعب البيانات السيزمية بهدف زيادة درجة الدقة وتحقيق نتائج أسرع.
وقدم البروفيسور في قسم التقنيات الجيوفيزيائية في جامعة ستانفورد، بيوندو بيوندو، عرضًا عن تأثير خوارزميات تعلم الآلات وأجهزتها على السمات السيزمية الحاسوبية لتحسين النتائج. وتساءل بيوندو: «هل تعلُم الآلات ثورة أم تحول؟» وأجاب بنفسه قائلًا: «إنه الإثنان معًا». وأضاف أن تعلم الآلات يُفسح المجال لإجراءات جديدة «ثورية»، تنطوي على بيانات مكثفة لتحسين أعمال الحفر ورفع كفاءة الآبار، كما أنه يقود «تحولات» جذرية في الإجراءات البيانية المكثفة القديمة في التصوير السيزمي ووضع نماذج المكامن- ووصفها بأنها «عطشى للحوسبة».
توجيه طائر بطاقة العقل!
ومن الشركات التي قدّمت عروضًا أيضًا كانت شركة إيموتيف، حيث منحت نائبة الرئيس للتطوير العام، كيم أولد، المشاركين في المنتدى فرصة استكشاف أسرار الطاقة «غير المستغلة» في العقل البشري. فتحدثت عن المعلومات العصبية السياقية والتطور الذي شهدته شركتها في مجال المستشعرات الدماغية المتقدمة والقادرة على قياس أنماط لمخطط كهربيّة الدماغ للمساعدة في فهم الحالات الإدراكية والعاطفية للأشخاص في الوقت الحقيقي والاستفادة منها في تطبيقات التعلم والسلامة.
وقدّمت كذلك عرضًا توضيحيًا خلال المنتدى يُظهر أن موجات طاقة الدماغ يمكنها «قيادة طائرة» بالمعنى الحرفي للكلمة. وتطوع في تقديم هذا العرض منظم المنتدى، ناشر بن حسن، من مركز الأبحاث المتقدمة في إكسبك، حيث وضع أداة استشعار تُسمى إيموتيف إنسايت على رأسه ليقود طائرة من دون طيار والتحليق بها عبر قدرة الآلات على التعلم وإدراك أنماط الدماغ.
وأثبت منتدى «أسعى» أنه تجربة تعليمية رائعة، حسبما رأت جمانة الكبيسي، إحدى طالبات الدراسات العليا اللاتي ابتعثتهن أرامكو السعودية للدراسة في جامعة ستانفورد، حيث تحضر لرسالة الماجستير في الهندسة الحاسوبية والرياضية، والتي قالت: «لقد استمتعت حقًا بالعروض، التي بفضلها أصبحت أعرف كيف تُطبق النظريات التي تدرس في الصفوف على أرض الواقع». وأضافت: «أثارت عروض التصوير السيزمي إعجابي على وجه الخصوص، وكيف يوفر تعلم الآلات لعلماء الأرض جيلًا جديدًا من الأدوات لتعزيز قدرتهم على اتخاذ القرارات».
المجلس الاستشاري الدولي للمركز يشارك ويناقش الخطط المستقبلية
وشارك في المنتدى أيضًا عدد من أعضاء المجلس الاستشاري الدولي لمركز الأبحاث المتقدمة في إكسبك، الذي يتألف من رواد المجتمع العلمي، وهم: رئيس المجلس لاري ليك، الذي يعمل في قسم هندسة البترول والجيولوجيا في جامعة تكساس في مدينة أوستن، وعميد كلية جيكوبس للهندسة في جامعة كاليفورنيا في مدينة سان دييغو، البروفيسور ألبرت بي بيسانو، والبروفيسور في قسم علم المواد وهندسة النانو في جامعة رايس في هيوستن، بوليكل أجايان، والنائب الأعلى للرئيس للأبحاث والابتكار والتنمية الاقتصادية في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، البروفيسور جين م ج فريشيه.
وعبَّر أعضاء المجلس عن أفكارهم حول منتدى «أسعى» والمجالات الناشئة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي- تعلم الآلات. كما أعربوا عن حماسهم لولوج أرامكو السعودية هذا المجال الجديد والقوي، للمحافظة على مكانة الشركة الرائدة على مستوى العالم في التميّز التقني.
وعشية انعقاد المنتدى، عقد المجلس اجتماعًا قدَّم فيه مركز الأبحاث المتقدمة في إكسبك عرضًا حول أحدث مشاريع الأبحاث قيد التنفيذ، وأشرك أعضاءً مستشارين في مناقشات حول الخطط والمبادرات المستقبلية. كما كرّم المركز نخبة من الطلبة الذين ابتعثتهم أرامكو السعودية للدراسات العليا في جامعات أمريكية على تميّزهم الأكاديمي، حيث قدَّم لكل منهم جائزة الباحث الشاب من مركز الأبحاث المتقدمة في إكسبك.
مستقبل منتديات أسعى
وبعدما كان مركز الأبحاث المتقدمة في إكسبك قد عقد على مدى السنوات القليلة الماضية عدة منتديات تساند جهود الشركة في التغلب على تحديات الصناعة التشغيلية في الوقت الحاضر، وتساعد أيضًا في كتابة فصل جديد من فصول استدامة الطاقة، فإنه يعتزم عقد المزيد من منتديات «أسعى» في المستقبل. إذ قال المشاري: «نريد أن نستمر في السعي للحصول على الإنجازات التقنية، سواء أكانت على مستوى العالم أم ضمن نطاق مراكزنا البحثية». وأضاف قائلًا: «من المهم تطوير هذه الشراكات ورفع مستويات التعاون بما يُعزّز دور أرامكو السعودية الكبير كشركة رائدة عالمية في مجال التقنية».