تلك النعم وأكثرها أهمية وتأثيرًا على حياة أي إنسان. من هنا، ومن منطلق إحدى قيمها الرئيسة، ونعني بها قيمة المواطنة، تبنّت أرامكو السعودية إطلاق حملة "أريد أن أسمع"، التي غيّرت حياة كثيرين ممن حصلوا على سمَّاعات متطورة من خلالها، واستطاعوا أخيرًا أن يسمعوا العالم من حولهم، وأن يُقبلوا على الدنيا بقلوب وعقول مفتوحة يملؤها الأمل في غدٍ أفضل. وقد نجحت الحملة خلال العامين الماضيين في الوصول إلى أكثر من 1400 مستفيد في مناطقها الثلاث عشرة، في كثير من مدن وقرى المملكة.
الخروج من دائرة الصمت
عندما تطأ قدماك مدخل المنزل البسيط الذي يقع على أطراف مدينة الهفوف في الأحساء، ستسمع جلبة أطفال صغار يمرحون ويلعبون، وستنتابك الدهشة عندما تعلم أن هذا المنزل كان يلفُّه الصمت والسكون منذ شهور قليلة، ثم ستزول دهشتك عندما تعرف أن نهر العطاء الممتد من موظفي أرامكو السعودية قد مرَّ من هنا، كجزء من حملة "أريد أن أسمع"، التي وفّرت لثلاثة أطفال من هذا المنزل سمّاعات متطورة جعلت الحياة تعرف طريقها مرة أخرى إلى هذا المنزل.
يوسف (15 عامًا)، وحسين (10 سنوات)، ومهدي (6 سنوات)، ثلاثة أشقاء كان الصمت يلفُّ حياتهم، ويسودها الحزن والألم، وكان الوالدان يعيشان يوميًا مرارة رؤية أبنائهما وهم بهذه الحالة التي كانت تدمي القلوب. صحيح أن الوالدين يبذلان كل ما في وسعهما لتعليم أبنائهما، حتى أن الأب كان مصرًا على أن يدخلوا مدرسة يرتادها أترابهم من الطلبة الأصحاء، مما سيساعدهم على الاندماج أكثر مع المجتمع، متجنبًا إدراجهم في مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة. لكن ذلك، وإن كان قد أسهم بصورة ما في تحسن حالتهم الدراسية، لم ينجح في حل المشكلة الأكبر التي تمثّل حجر عثرة في طريقهم، إذ كانوا لا يستطيعون تمييز الأصوات ولا إدراك الأخطار التي يمكن أن تصيبهم.
تقول أمُّ يوسف: "عندما وُلد يوسف، لاحظتُ تدريجيًا أنه لا يسمع جيدًا ما يدور حوله، ولا يستجيب للأصوات ولا ينتبه لما حوله. وقتها ذهبت به إلى عدة مستشفيات، وقيل لي إنه مصاب بالصمم. بذلتُ معه كل الجهود الممكنة، وابتعنا له سمَّاعات عادية، لكن ذلك لم ينجح في تحسين حالته، وعندما أنجبتُ أخويه سارعتُ فور ولادتهما إلى التأكد من إصابتهما بهذه المشكلة أم لا، وشعرتُ بالحزن عندما اكتشفتُ أنهما يعانيان من المشكلة نفسها".
وتضيف: "عشنا أعوامًا طويلة ونحن نحاول تعليمهم وتدريبهم وتحسين حياتهم، حتى علمنا بحملة أرامكو السعودية (أريد أن أسمع)، فتقدَّمنا بطلب للحصول عليها، وتم إجراء الكشف الطبي عليهم، ومنحت لهم سمّاعات غيّرت حياتهم تمامًا؛ فالسمّاعات السابقة كانت سيئة للغاية، ولا تمكّنهم من الاندماج بشكل كامل مع من حولهم. أما الآن فقد أصبح الأولاد كما تراهم مليئين بالحركة والنشاط، مدركين لما يستمعون إليه. يوسف الآن من المتفوقين دراسيًا، وحسين كذلك، أما مهدي فالحياة صارت أسهل كثيرًا بالنسبة له".