تسعى المملكة العربية السعودية إلى تعزيز الاقتصاد الوطني وتنويعه عبر عديد من المشاريع الضخمة والمبادرات الواعدة، التي من شأنها أن تصنع المستقبل المشرق الذي ترسمه لها رؤيتها الرائدة لعام 2030م. وفي الرابع عشر من ربيع الأول 1440 هـ (22 نوفمبر 2018م)، جسّدت قيادة المملكة إحدى الخطط الطموحة للرؤية على أرض الواقع، عندما دشّن خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله، وبحضور صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، المرحلة الأولى من منظومة مشاريع مدينة وعد الشمال الصناعية، وذلك في محافظة طريف في شمال المملكة.
التعدين.. سبيلٌ إلى النمو الاقتصادي والاجتماعي
وقد أعلنت تلك الخطوة الوثّابة ميلاد مدينة صناعية جديدة سُميّت وعد الشمال، تمتد على مساحة 440 كيلومترًا مربعًا غرب مدينة طريف، لتصبح مركز قطاع التعدين في المملكة. ومن شأن هذه المدينة الصناعية أن تُسهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي والصناعي في المنطقة النائية شمال المملكة، وذلك من خلال تطوير أعمال جديدة في قطاع التعدين والمعادن، وإنشاء صناعات تكرير ومعالجة ذات قيمة مضافة، كصناعة الزجاج والمواد البلاستيكية.
وتُشير التقديرات إلى أن وعد الشمال ستؤدي إلى تحقيق زيادة في إجمالي الناتج المحلي من القطاعات غير النفطية تصل إلى %3، وهو ما يعادل 24 مليار ريال سنويًا، كما من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى توفير حوالي 30 ألف فرصة عمل للشباب السعودي، وخاصة لأبناء المنطقة الشمالية.
وتشهد مدينة وعد الشمال، تعاضد عدد من الجهات الحكومية، والشركات الوطنية الكبرى، إلى جانب مؤسسات من القطاع الخاص السعودي، ومستثمرين دوليين، للنهوض بإنتاج الفوسفات في المنطقة، ليبلغ تسعة ملايين طن سنويًا عند اكتمال المرحلة الثانية من المشروع، وتُصبح معه المملكة ثاني أكبر مُنتج للأسمدة الفوسفاتية في العالم.
وبالنسبة لأرامكو السعودية، فقد مثّلت مدينة وعد الشمال مُنعطفًا تاريخيًا، وعلامة فارقة في إستراتيجية الشركة. فقد بادرت الشركة، بوصفها أحد شركاء النجاح في هذا المشروع التنموي الهائل، إلى تطوير أول منظومة من نوعها في المملكة وفي المنطقة العربية، لإنتاج وتوريد الغاز غير التقليدي، لتمّد بذلك شريان الطاقة إلى قلب المدينة الصناعية النابض بالحياة.
الموارد غير التقليدية.. ذراعٌ جديدة للشركة
ويعزّز دخول أرامكو السعودية إلى قطاع الموارد غير التقليدية، من جهود الشركة الرامية إلى توطيد ريادتها العالمية كشركة كبرى للطاقة والبتروكيميائيات، فمن شأن موارد الطاقة الجديدة هذه أن تُلبّي جانبًا كبيرًا من الاحتياج المحلي للطاقة، لتخفض من الحاجة إلى حرق الوقود السائل، سامحة باستخدامه في قطاع التكرير وإنتاج المواد الكيميائية، أو تصديره كمادة خام، وبالتالي تحقيق قيمة أعلى من الموارد الطبيعية التي تُنتجها الشركة، كما أن ذلك سيخفض من الانبعاثات الكربونية.
وتُعد هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها أرامكو السعودية بالتسويق الكامل للغاز غير التقليدي، مستفيدة من خبراتها الممتدة، والتقنيات الجديدة، ونموذج أعمالها المتكامل والفريد من نوعه، وهي المرحلة الأولى من مراحل تنفيذ الشركة لبرنامجها في استخراج الموارد غير التقليدية.
وقد شغّلت الشركة أول معمل لإنتاج الغاز غير التقليدي في شهر نوفمبر من عام 2017م، بطاقة تُقدّر بنحو 79 مليون قدم مكعبة قياسية يوميًا، من عشر آبار غير تقليدية بالقرب من مدينة طريف في شمال المملكة، ليُنقل الغاز بشكل أساس إلى محطة الشركة السعودية للكهرباء البالغ قدرتها واحد غيغاواط في مدينة وعد الشمال. إلى جانب ذلك، شرعت أرامكو السعودية في تنفيذ المرحلة الثانية من خطتها التي تهدف إلى رفع الإنتاج من الغاز غير التقليدي إلى أكثر من 190 مليون قدم مكعبة قياسية يوميًا، من خلال أربعة مرافق إضافية للإنتاج، تمّ استكمال البناء في واحد منها في ديسمبر من عام 2018م.
المواد اللقيم للصناعة وإنتاج الفوسفات
وبالإضافة إلى أن الغاز غير التقليدي يمثّل مصدر الطاقة في وعد الشمال، فإنه يُعد رافدًا مهمًا للصناعة هناك، حيث من المخطط أن تمد الشركة الصناعات التحويلية المستقبلية في المدينة الصناعية بالغاز اللقيم اللازم لها.
وإلى جانب توفير الغاز، وفرت الشركة إمدادات الكبريت المنصهر اللازمة للصناعات المعتمدة على حمض الفوسفوريك في المنطقة، بعد أن أكملت بنجاح مشروع مرافق السكك الحديدية لتحميل الكبريت الذي يحمل الكبريت المُنتج في معامل الشركة للغاز في واسط والبري والخرسانية إلى مدينتي وعد الشمال ورأس الخير، وذلك في شهر مايو من عام 2019م.
وقد تضمّن المشروع إنشاء أكبر مرفقين من مرافق السكك الحديدية في المنطقة في معملي الغاز في واسط والبري، شبكة من خطوط السكك الحديدية الفرعية، ومحطات تحميل الكبريت المنصهر، بالإضافة إلى تركيب شبكة من خطوط الأنابيب الحرارية بطول 21 كيلومترًا لنقل الكبريت المنصهر. ويُسهم المشروع في نقل 5400 طن متري يوميًا من الكبريت إلى مرافق شركة معادن في وعد الشمال، عبر خط السكة الحديدية شمال-جنوب، الذي يمتد لأكثر من 1400 كم، ويُدار بصورة كاملة من المؤسسة العامة للخطوط الحديدية (سار). وإلى جانب الفائدة الاقتصادية المرجوة من هذا المشروع، فإن له أثرًا كبيرًا في حماية البيئة ورفع مستوى السلامة على الطرق، من خلال النقل الآمن للكبريت المنصهر عبر عربات القطار المصممة خصيصًا لعزل الكبريت.
التقنية وتوفير الفرص
وتجسّد جهود الشركة في وعد الشمال شاهدًا حيًّا على ثوابت الشركة الراسخة في توظيف أحدث التقنيات وأساليب العمل التي من شأنها أن ترفع من الكفاءة المالية لمشاريعها، كما تُسهم في المحافظة على البيئة، وتوفّر الفرص الوظيفية الواعدة للشباب السعودي. ففي مشروع تطوير منظومة الغاز غير التقليدي لوعد الشمال، استخدمت الشركة شبكة أنابيب مصنوعة بالكامل من مواد لامعدنية يبلغ طولها 300 كم، وهي المرة الأولى التي يجري فيها توظيف هذه المواد في مشروع للغاز في المملكة. ولهذه المواد ميزة في الاستدامة وخفض تكاليف الإنشاء والصيانة.
كما يجري من خلال المرحلة الثانية لإنشاء مرافق إنتاج الغاز غير التقليدي، وللمرة الأولى في المملكة، توظيف نظام معتمد على الطاقة الشمسية، لتزويد الطاقة لآبار الغاز النائية في حقل الجلاميد شمال المملكة. وإلى جانب كون هذه التقنية حلًا أقل تكلفة بالنظر إلى طبيعة آبار الغاز غير التقليدي في المنطقة، فإنها تجلب فوائد للبيئة من خلال الاستفادة من مورد الطاقة الشمسية المتجدد.
وعلى صعيد توفير الفرص، تقوم الكفاءات السعودية بتشغيل جميع مرافق منظومة غاز وعد الشمال وصيانتها، ولأبناء المنطقة نصيب الأسد في ذلك، حيث تقوم دائرة الموارد غير التقليدية برعاية المتدربين الشباب في المنطقة، لتمنحهم فرص العمل في مجال إنتاج الغاز غير التقليدي. إلى جانب ذلك، تخضع مشاريع الشركة في وعد الشمال، لأهداف برنامج اكتفاء الذي يسعى إلى تعزيز القيمة المضافة الإجمالية لقطاع التوريد في المملكة.