بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز
أمير المنطقة الشرقية، حفظه الله
معالي أخي الدكتور خالد السلطان، مدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن
أصحاب السمو والفضيلة والمعالي والسعادة
أيها الحفل الكريم،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يطيب لي أن أشارك معكم في حفل افتتاح هذا المؤتمر العلمي المرموق، الذي تقيمه جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في موضوع مهم، يتعلق بصناعة كبيرة، تؤثر على أعمالنا في جميع القطاعات، وتشكل البيئة التي نعيش فيها، ولها تأثير على الوطن والعالم، ألا وهي صناعة التشييد.
وقد أحسنت الجامعة صنعا أن اختارت الانتاجية وادارة الجودة كموضوع أساسي في هذا المؤتمر. فخلال الأيام الماضية ومع الأجواء الماطرة التي شهدتها المملكة، دارت الكثير من الأحاديث حول معايير الجودة في صناعة البناء.
ولا بد لي قبل أن أبدأ أن أعبر عن سعادتي الشخصية بأن أكون مع إخواني وزملائي مسئولي الجامعة وأعضاء هيئة التدريس وأبنائي الطلبة. فقبل 35 سنة، كنت طالبا في صفوف الجامعة أنجز سنتي الأخيرة في هندسة البترول.
والآن يشرفني الانتماء والارتباط بالجامعة والتعاون مع أخي معالي الدكتور خالد السلطان، من خلال عضوية مجلسها الاستشاري العالمي وعضوية عدد من مجالس الكليات والمؤسسات المنتسبة لها، بالإضافة إلى العلاقة النموذجية الشاملة التي تربط قطاعات أرامكو السعودية بهذه الجامعة العريقة في مجال الدراسة الجامعية للطلبة، ومجال البحوث، ومجال المبادرات والمشاريع الرائدة.
صاحب السمو الملكي
أعزائي الحضور،
عندما نتحدث عن صناعة التشييد فإننا نشمل عناصرها الثلاثة وهي التصاميم الهندسية، وتوريد المواد والمعدات، والأعمال الإنشائية. وعلى النطاق العالمي فقد لعبت صناعة التشييد دورا حيويا في التنمية الاقتصادية. فالنشاطات الاقتصادية الناجحة تعتمد على وجود صناعة تشييد قوية تسهم في تحويل الاستثمارات إلى ازدهار اقتصادي وفرص عمل كثيرة.
ولو تأملنا الوضع في المملكة، فإن برامج التنمية الوطنية خلال الأربعين سنة الأخيرة لم تكن ستتحقق لولا الدور الذي لعبته صناعة التشييد بكافة أطرافها وعناصرها.
ومع أن الذي تم انجازه خلال العقود الماضية يستحق التقدير، إلا أن العالم يتطور باستمرار، وكذلك صناعة التشييد وتقنيات البناء والمواد تتطور باستمرار. وإذا نظرنا للمستقبل من خلال رؤية المملكة 2030، بأبعادها الطموحة، واستثماراتها الهائلة، فلا بد لصناعة التشييد الوطنية في المملكة أن تسارع الخطى لتحقيق الآمال المعقودة عليها.
ومن خلال نظرة سريعة لواقع ومستقبل صناعة التشييد في العالم من حيث الفرص والتحديات، فإن المستقبل بشكل عام يبدو إيجابيا، ولكن في الوقت نفسه هناك تحديات تعترض هذه الصناعة. فالنمو السكاني على مستوى العالم يزداد، حيث من المتوقع أن يقارب تعداد البشرية عشرة بليون نسمة بحلول العام 2050، كما أن نسبة انتقال السكان من القرى إلى المدن في تزايد، حيث سيكون هناك اثنان من كل ثلاثة على وجه الأرض يعيشون في المدن والمراكز الحضرية. وإذا نظرنا إلى حجم الاستثمارات المتوقع في قطاع واحد وهو قطاع الزيت والغاز العالمي فإن حجم الاستثمار سيتجاوز 30 تريليون دولار بحلول العام 2050. وهذه التوجهات تخلق بطبيعة الحال فرص نمو ايجابية ومتصاعدة لصناعة التشييد.
ولكن التركيز على قوة الطلب لن تكون كافية لازدهار تلك الصناعة. هناك تصور عام بأن ثقافة العمل التي تحكم قطاع التشييد ما تزال محافظة وتقليدية في أساليبها وبالتالي تفتقد الكفاءة اللازمة. فحين أنظر إلى الكثير من المشاريع التي يتم انجازها اليوم لا أجدها تختلف كثيرا في طريقة تنفيذها عما كانت عليه المشاريع قبل 20 أو 30 سنة. ومن بين النقاط التي تبين الأسلوب التقليدي النقص الواضح في نقل المعرفة من مشروع لمشروع، كما أن هناك ضعفا في مراقبة المشاريع مقارنة بقطاعات أخرى يتم فيها تحديد مواطن الخلل والتعامل معها بفترة كافية قبل أن تتحول إلى مشاكل.
كما أن هناك قلة في الاستثمار في البحث والتطوير والابتكار، حيث يبلغ الانفاق عى البحث والتطوير في صناعة التشييد أقل من 1% من الدخل العام، مقارنة بأربعة اضعاف تلك النسبة في صناعة السيارات والطائرات والصناعات الفضائية. وأخيرا وليس آخرا فإن صورة صناعة التشييد تبدو سلبية مقارنة بصناعات حديثة أخرى من حيث توفير فرص عمل بظروف جذابة.
في ضوء تلك النقاط والتحديات يظهر أن هناك ثلاث أولويات ينبغي التصدي لها لتطوير صناعة التشييد:
أولاً: مشكلة انخفاض الكفاءة والانتاجية . في حين استفادت بعض القطاعات من تحقيق قفزة في الكفاءة والانتاجية بنسبة 100% خلال الخمسين سنة الماضية، ما تزال نسبة الكفاءة والانتاجية على ما هي عليه في قطاع التشييد دون تقدم يذكر.
ثانياً: مشاكل المشاريع التي تتجاوز الميزانية وتتأخر عن جداول التنفيذ المحددة. إذا نظرنا إلى الأرقام والإحصاءات في قطاع التشييد المتعلق بصناعة الزيت والغاز العالمية فإنها تبعث على القلق. أظهرت دراسة حديثة أن نسبة 30% فقط من مشاريع الزيت والغاز في العالم يتم انجازها ضمن الميزانيات المعتمدة، و15% فقط من المشاريع يتم انجازها ضمن الإطار الزمني المعتمد. وتعاني المشاريع العملاقة من تضخم التكاليف مقارنة بالتقديرات التي على أساسها اعتمدت هذه المشاريع، وهذه الزيادة لها مخاطر كبيرة وآثار مدمرة على الجدوى الاقتصادية لتلك المشاريع العملاقة، وبالتالي تؤثر على الأداء المالي للشركات التي استثمرت في تلك المشاريع.
ثالثاً: تحدي الجودة. لا يخفى أن نجاح أي مشروع من مشاريع الطاقة يعتمد على عنصر الجودة والموثوقية. فبعد استثمار مبالغ رأسمالية كبيرة في التشييد ، فإن التشغيل الموثوق لتلك المشاريع والمنشآت هو مفتاح الربحية للشركات. وكم شاهدنا شركات تخسر وتهوي قيمة أسهمها بسبب الانقطاعات والأعطال المتكررة في التشغيل التي نتجت عن ضعف جودة الإنشاء والتشييد.
لمواجهة تلك المخاطر والتحديات، قمنا في أرامكو السعودية باستحداث عمليات وأنظمة تتيح لنا مراقبة المشاريع بشكل أكبر والتدخل متى لزم الأمر بشكل استباقي لمعالجة بعض القضايا التي إن تركت يمكنها أن تتسبب في تكاليف إضافية باهضة وتؤثر على أدائنا.
وكما تعلمون فإن صناعة الزيت والغاز بدأت خلال الثلاث سنوات الماضية مواجهة تحدي ضخم وهو هبوط الأسعار بشكل كبير جدا، مع تزايد المنافسة وتنامي التعقيد الفني والتجاري في المشاريع العملاقة التي أصبحت سائدة في عصرنا الحاضر. ولكي تستطيع الشركات المنتسبة لصناعة الزيت والغاز من الاستمرر والازدهار لا بد لها من شركاء أقوياء قادرين على تطوير صناعة التشييد بما يحقق مواجهة تحديات الكفاءة والجودة والانتاجية والتكلفة.
في ضوء هذه التحديات فإن التحسينات التدريجية في صناعة التشييد لن تكون كافية، نحن بحاجة إلى حلول جذرية، نحن بحاجة إلى جهود ضخمة ومركزة تؤدي إلى تحولات عميقة.
حاليا تسهم أرامكو السعودية مع نحو 10 شركات عالمية للزيت والغاز في برنامج تم اطلاقه تحت مظلة منتدى الاقتصاد العالمي، والتركيز فيه على توحيد المعايير والمواصفات الهندسية بين شركات الزيت والغاز بما يحقق المزيد من الكفاءة وانخفاض التكلفة في المشاريع. وأرامكو السعودية على استعداد للمساهمة في أي نشاط كبير تقوم به الأطراف الفاعلة في صناعة التشييد بحيث يحقق التحولات المنشودة، والتي ستستفيد منها قطاعات وصناعات عديدة في المملكة وحول العالم.
وقبل الختام أود التركيز على نقطة مهمة جدا تتعلق بصناعة التشييد في المملكة، وهي التحدي المرتبط بتوطين هذه الصناعة وزيادة محتواها المحلي ليس فقط في السعودة بل أيضا في تصنيع المواد. فنسبة العاملين السعوديين في تلك الصناعة منخفضة جدا، كما أن نسبة المؤسسات الوطنية القادرة على تطوير مشاريع عملاقة ومعقدة ما تزال أقل بكثير من المستوى المأمول. وأرجو أن ينال هذا الموضوع نصيبه من البحث في هذا المؤتمر العلمي المبارك.
وإني على ثقة، أن قياديي صناعة التشييد في المملكة وحول العالم، سيبذلون كل ما بوسعهم للاستمرار والنمو والازدهار واقتناص فرص المستقبل وتعزيز هذه الصناعة في الوطن والعالم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
الاستفسارات الإعلامية
جميع استفسارات وسائل الإعلام يتم التعامل معها من قبل إدارة الإعلام والتواصل التنفيذي في أرامكو - قسم العلاقات الإعلامية. الظهران - المملكة العربية السعودية