"أرامكو السعودية: من الإقليمية إلى العالمية.. قصب السبق والريادة في الحوكمة"
أمين الناصر متحدثًا في المنتدى
أصحاب المعالي والسعادة،
أيها الضيوف الكرام،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله صباحكم بكل خير
في البداية أودّ أن أعرب عن امتناني للتعاون مع مبادرة بيرل في سبيل الارتقاء بمعايير الحوكمة المؤسسية، وهو أمرٌ تبدو الحاجة ماسة إليه على الصعيد الإقليمي.
وهذا المنتدى فرصة لكي أتحدث اليوم عن مسيرة الحوكمة في أرامكو السعودية والتي انعكست على اهتمام الشركة بالتزامها.
ولا يفوتني في هذا المقام أن أنوه – بصورةٍ واضحةٍ وصريحةٍ – على أننا نقرُّ بأنها مسيرة آخذة في التطور والرقي مع مرور الوقت. فنحن نعلم يقينًا بأنه يمكننا أن نحسِّن ممارسات الحوكمة المؤسسية في أرامكو السعودية، وأساليب تنفيذها أيضًا.
ولذلك، وحتى أتمكّن من تقديم صورة أوضح وأعمق لما نحن مقبلون عليه في هذا الشأن، اسمحوا لي أن أستهل حديثي بالبدايات التي كنا عليها، وما وصلنا إليه حتى الآن.
البدايات
دخلت أرامكو السعودية الآفاق العالمية منذ الأيام الأولى لتأسيسها، أي منذ أكثر من ثمانية عقود من الزمان. وكانت المعايير العالمية للحوكمة، ولا تزال، تشكّل جزءًا لا يتجزأ من أعمالنا، ومن الأساليب التي نؤدي من خلالها هذه الأعمال.
استمرت نظرتنا للحوكمة المؤسسية في التطور والرقي بالتزامن مع انتقال ملكية الشركة من أطراف متعددة قبل عام 1980م إلى ملكية طرف واحد حاليًا.
ورغم أن تاريخنا الضارب في عمق الزمن وفّر لنا الأسس القوية والمتينة للهياكل والأعمال والإرشادات التنظيمية في الشركة، إلا أننا استرشدنا أيضًا بالممارسات العالمية في هذا الشأن. فقد دأبت الشركة على مدى تاريخها الطويل، وبصورة ثابتة ومستمرة على استخدام معايير مرجعية تُعنى بمقارنة أدائها بأداء غيرها، وذلك في سبيل المحافظة على مكانتها المرموقة في قطاع الطاقة وتعزيزها.
على سبيل المثال، رغم أن أرامكو السعودية لا تخضع للشروط والمتطلبات التي تخضع لها أيُّ شركة مدرجة في الأسواق المالية، إلا أن حسابات الشركة يتم إعدادها وفقًا للمعايير الدولية لإعداد التقارير المالية، وذلك أمر دأبت الشركة على تنفيذه منذ عام 2005م.
كما أن الشركة تصدر تقريرًا سنويًا، متاحٌ للجميع، حول أعمالها وإنجازاتها.
تؤكد دائرة الشؤون المالية أن أرامكو السعودية دأبت على تطبيق المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية منذ عام 2005م؛ كما نوهت الشؤون المالية أيضًا إلى أنه حتى إذا ما تم إدراج أرامكو السعودية في بورصة نيويورك، فإنه من غير المرجح أن تعمد الشركة إلى التحول إلى تطبيق مبادئ المحاسبة المتعارف عليها في الولايات المتحدة الأمريكية، لأن ذلك غير مطلوب عند إدراج شركة ما في بورصة أمريكية.
وفيما يتعلق بمجلس إدارة الشركة، فإن رئيس أرامكو السعودية وكبير إدارييها التنفيذيين هو المسؤول التنفيذي الوحيد الذي يشغل عضوية المجلس – إلى جانب معالي رئيس مجلس الإدارة. ويستمد هذا المجلس المزيد من القوة والثبات من خلال وجود ثلاثة أعضاء غير سعوديين فيه، يمثلون جميعهم قادة سابقين لمؤسسات أو شركات عالمية في قطاعي الطاقة والمال.
كما تطبق الشركة أيضًا معايير مستقلة في مجال المراجعة والتدقيق، وهو الأمر الذي يمكّنها من تنفيذ مراجعات دقيقة وصارمة لأعمالها. وتشرف لجنة المراجعة المنبثقة عن مجلس إدارة الشركة على موثوقية حساباتها وتقاريرها، إلى جانب إشرافها على صحة قوائمها المالية وسلامتها.
كما تضم أرامكو السعودية لجنة أخرى تسهم بدرجة ٍكبيرةٍ في ترسيخ مبادئ الحوكمة المؤسسية في الشركة، وأعني بذلك لجنة أخلاقيات العمل. فنحن في أرامكو السعودية نؤمن إيمانًا راسخًا بإلزام أنفسنا بأعلى المعايير الأخلاقية في أداء أعمالنا. فجميع الأعمال والأنشطة التي تنفذها الشركة ترتكز على القيم الخمس التي وضعتها الشركة لنفسها، وهي: التميز، السلامة، المسؤولية، النزاهة، والمواطنة.
وبالحديث عن قيمة السلامة فقط: فإن الشركة تتبنّى ثقافةً قويةً في هذا المجال، كما تتبنّى نظامًا مفتوحًا للإبلاغ عن المسائل المتعلقة بها، وهو الأمر الذي يشكل جزءًا حيويًا من الحوكمة المؤسسية السليمة، وخاصة في قطاع الطاقة.
كما طرحت أرامكو السعودية منذ عدة أعوام نظام إدارة مخاطر الشركة من أجل تحديد المخاطر العامة التي قد تؤثر سلبًا في أعمال الشركة، والعمل على التقليل منها، والتخفيف من آثارها قدر الإمكان.
وفيما يتعلق بقيمة المسؤولية، فإن الشركة تتبنّى أيضًا نظامًا عالميًا في هذا الشأن. وبصفتي كبير الإداريين التنفيذيين في أرامكو السعودية، فقد وُضعت تحت تصرفي شاشة تحكم آنية تُظهر مؤشرات الأداء الرئيسة في الشركة. وهذا يمكّنني وبكل يسر وسهولة من مراقبة "صحة" أعمال الشركة وسلامتها. ولك أن تعتبر هذه العملية مشابهة لعملية مراقبة صحتك وسلامتك الشخصية من خلال ربطك بصفة دائمة بجهاز لتخطيط كهرباء القلب، في ذات الوقت الذي تخضع فيه أيضًا إلى إجراء أشعة مقطعية.
ولأكون واضحًا في هذا الشأن: فإن تحقيق القيمة للمساهمين كانت وستبقى أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة لأرامكو السعودية. ومع ذلك، فإن تركيزنا في الشركة لا يتوقف عند هذا الحد، بل يتعدّى ذلك إلى عملائها ومورِّديها والمجتمعات التي تعمل فيها، وكذلك، بطبيعة الحال، إلى موظفيها.
وبالنسبة إلى موظفينا، فإن من الأهمية بمكان أن نذكر في هذا المقام أن موظفي الشركة يحظون بالتكريم والتقدير لقاء تميزهم وإتقانهم لأعمالهم. كما أنه يمكن لجميع موظفي الشركة التعبير، وبحرية تامة، عن آرائهم ووجهات نظرهم إلى أعضاء الإدارة العليا في الشركة.
وفي سبيل المساعدة على حماية البيئة والتصدّي لظاهرة التغيّر المناخي، تتبنّى الشركة واحدًا من أقوى البرامج التي يتم تطبيقها في هذا المجال بقطاع الطاقة. كما أنها لا تتوقف عن السعي إلى تطبيق أساليب جديدة من أجل تقليل الانبعاثات الكربونية المؤثرة على البيئة في أعمالها.
وعلى سبيل المثال، وقعت أرامكو السعودية مؤخرًا، اتفاقية تُعنى باختبار تقنية جديدة يمكن أن تؤدي إلى تحويل ما يصل إلى ثلثي برميل النفط الخام مباشرة إلى مواد بتروكيميائية. ومن شأن تطبيق هذه التقنية أن تعمل على خفض التكاليف وإيجاد أسواق جديدة للشركة. كما تنطوي هذه التقنية على انعكاسات إيجابية فيما يتعلق بالاستخدامات المستقبلية للنفط الخام غير القائمة على الاحتراق. 2
ويمثل ترشيد استهلاك المياه أولوية قصوى أخرى في أرامكو السعودية. إذ وضعت الشركة قيمة عُليَا للماء منذ أمد بعيد. ونتيجة لذلك، يسعى موظفو الشركة في أعمالهم جاهدين لتقليل استخدام المياه الجوفية، وزيادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة قدر الإمكان. وفي واقع الأمر، فإن الشركة تملك واحدًا من أعلى معدلات المعالَجَة في المنطقة للمياه الصناعية ومياه الصرف الصحي.
كما تحظى مبادرة توطين السلع والخدمات بأهمية بالغة لدى الشركة. فمن خلال برنامج تعزيز القيمة المضافة الإجمالية لقطاع التوريد (اكتفاء)، تعمل أرامكو السعودية على زيادة توريد السلع والخدمات التي تحتاج إليها من مصادر محلية قدر الإمكان، وقد وضعت لنفسها هدفًا يصل إلى توريد نسبة 70% من هذه السلع والخدمات محليًا، بحلول عام 2021م.
وإضافة إلى تحسين موثوقية سلسلة التوريد في الشركة، فإننا نعتقد بأن مبادرة (اكتفاء) ستسهم إسهامًا كبيرًا في دعم قطاع التصنيع بالمملكة، وتنويع مصادر الاقتصاد الوطني، وخلق المزيد من الفرص الوظيفية. (عبارة مرتجلة: يمثل مجمع الملك سلمان العالمي للصناعات والخدمات البحرية، حينما يعمل بطاقته الكاملة، في عام 2022م، أفضل مثال على ذلك، حيث يُتوقع أن يسهم بأكثر من 11 مليار ريال من إجمالي الناتج المحلي في المملكة سنويًا).
وعلى صلة بذلك، تتبنّى الشركة أيضًا قواعد سلوكية خاصة بسلسلة المورِّدين الذين يعملون معها. فالشركة تتوقع من مورِّديها أن يطبقوا ذات القواعد السلوكية التي تفرضها على موظفيها.
وفي جانب المواطنة، فإنها تمثّل أولوية أساسية في المجتمعات التي نعمل فيها. فتمشيًا مع رؤية المملكة 2030، تعمل الشركة في هذا المجال على تعزيز أنشطة ريادة الأعمال وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة الغنية بالفرص الوظيفية. (عبارة مرتجلة: على سبيل المثال، يمثل مركز أرامكو السعودية لريادة الأعمال – واعد – حاضنة للأعمال وفرت تمويلًا بملايين الدولارات من أجل مساندة المشاريع الناشئة). 5
وفي الواقع، فإننا نعتقد بأن انتهاجنا هذا النهج، الذي يضم أطرافًا مستفيدة متعددة، يُعَدُّ ضروريًا لاستمرار نجاحاتنا واستدامتها.
وهنا أودُّ أن أؤكّد نقطة أساسية...
رغم أن أرامكو السعودية تطبق ممارسات متطورة في مجال الحوكمة المؤسسية، إلا أنه لا نيّة لها مطلقًا في التوقف عند هذا الحد.
وكلُّ ذلك يجعلني أتطرق إلى المسار الذي ستنتهجه أرامكو السعودية انطلاقًا مما حققته حتى الآن في هذا المجال...
إلى أين تتجه الشركة؟
مستقبلًا، هناك تحدٍّ واحدٌ يواجهنا في هذا الشأن، وهو تحدٍّ تواجهه جميع الشركات –ويتمثّل في المحافظة على التوازن الصحيح بين التحكّم والالتزام والأداء.
بالنسبة إلى شركة مثل أرامكو السعودية، فإن من الأهمية بمكان ألا تكون هياكل الحوكمة المؤسسية عبئًا ثقيلًا على الشركة. فإذا ما أصبح كلٌّ من التسلسل القيادي والتحكم طويلًا جدًا لشركة كبيرة مثل أرامكو السعودية، فإن الشركة ستصبح أقل حيوية ونشاطًا، وأقل ابتكارًا، وأكثر مقاومة للتغيير.
مع ذلك، فإنه يجدر بنا أن ننوه في هذا المقام إلى أن: حجم الشركة لا يعني شيئًا إذا ما تعلق الأمر بتطبيق معايير الحوكمة. فالمشاريع الصغيرة جدًا، والصغيرة والمتوسطة والشركات العائلية يمكن أن تستفيد جميعُها من ممارسة المعايير الجيدة للحوكمة المؤسسية.
وفي واقع الأمر، تمثل المبادئ الأساسية المعمول بها في هذا المجال، مثل اتباع القوانين والأنظمة، والسلوك الأخلاقي، والممارسات المحاسبية الصحيحة، وحماية الاستثمارات الشخصية في الشركات الصغيرة الأهمية ذاتها التي تمثلها للشركات الكبيرة.
بل قد تكون أكثر أهمية. فرغم كل ذلك، فإن الشركات الصغيرة تواجه مجموعة فريدة من التحديات خلال فترات الركود. وإضافة إلى ذلك، فإن هذه الشركات لا تستطيع عادة أن توفر أنظمة مراقبة دقيقة ومفصلة فيما يتعلق بالحوكمة.
في نهاية المطاف، توفر الحوكمة السليمة الأساس لأداءٍ أفضل ومستدامٍ، كما أنها تسهم في تحسين سمعة أيِّ شركة أو مؤسسة، مهما كان حجمها.
إن الحوكمة السليمة تتعلق بالقيم، بدءًا من الموظف، مرورًا بفرق العمل، وانتهاءً بالشركة برمتها. وهو الأمر الذي يعني بطبيعة الحال أن الأفعال التي تصدر عن فردٍ واحدٍ في الشركة يمكن أن يكون لها أثر هائل على سمعة الشركة وأدائها والمحصلة النهائية لأعمالها.
وكما يعلم العديد منكم، فإن بناء سمعة جيدة يستغرق زمنًا طويلًا، بينما لا يتطلب الأمر سوى دقائق معدودة لهدمها.
خاتمة
أيها السيدات والسادة، لقد شهدنا في أرامكو السعودية الفوائد التي يمكن أن تعود على الشركة من تطبيق معايير الحوكمة السليمة بصورة مباشرة.
فقد دأبت أرامكو السعودية ولا تزال تركز على أسس الكفاءة المالية والتشغيلية.
ولكن، وكما هو الحال في جميع الشركات الأخرى، فإننا ندرك أننا لم نبلغ مرحلة الكمال.
وكما ذكرت في بداية كلمتي هذه، فإننا ندرك أن بإمكاننا أن نسهم في تحسين ممارسات الحوكمة وأساليب تنفيذها بصورة أكبر. كما ندرك أيضًا بأننا مسؤولون عن مساعدة الآخرين، خاصة داخل المملكة.
وهذا هو السبب الذي يجعلنا سعداء بالمشاركة في استضافة هذا المنتدى المهم مع مبادرة بيرل، وذلك للمساعدة في بيان الأسباب التي تجعل الحوكمة السليمة أمرًا أساسيًا في كل شركة تريد أن تنمو وتزدهر خلال هذا الوقت الحيوي.
وهو أيضًا السبب الذي يجعل أرامكو السعودية تستمر في سعيها لرفع سقف التحديات في هذا المجال إلى مستويات أعلى خلال الأعوام والعقود القادمة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاستفسارات الإعلامية
جميع استفسارات وسائل الإعلام يتم التعامل معها من قبل إدارة الإعلام والتواصل التنفيذي في أرامكو - قسم العلاقات الإعلامية. الظهران - المملكة العربية السعودية