التحول الرقمي في مصفاة ينبع: نموذج عملي للابتكار والتغيير
كيف حصلت مصفاة أرامكو التي تبلغ من العمر 40 عامًا على لقب "المنارة الصناعية " المرموقة من المنتدى الاقتصادي العالمي؟
- في عام 2018، بدأت مصفاة ينبع خطة تحول رقمي استراتيجية مدتها خمس سنوات
- بفضل تسخير تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، نجحت المصفاة في تحسين طاقتها الإنتاجية وزيادة أرباحها وخفض انبعاثاتها الكربونية
- تُعد مصفاة ينبع أول منشأة تابعة لأرامكو في قطاع التكرير والكيميائيات والتسويق تُدرج ضمن قائمة المنارات الصناعية العالمية
تُعد مصفاة ينبع التابعة لأرامكو جزء لا يتجزأ من مجموعة أعمال التكرير والكيميائيات والتسويق، وهي مسؤولة عن توفير اللقيم الحيوي للصناعات وأنواع الوقود الأساسية لتلبية احتياجات المملكة. وقد بدأ تشغيل مصفاة ينبع في عام 1983، على طول ساحل البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية، وهي مجهزة بالمعدات اللازمة لتحويل 230 ألف برميل من النفط الخام في اليوم ووصل إنتاجها اليومي من الوقود ما يكفي لقيادة سيارة متوسطة الحجم حول العالم لأكثر من 3000 مرة.
وللمحافظة على الميزة التنافسية بصفتها أحد الموردين الرئيسيين للوقود في المملكة، أجرت المصفاة التي تبلغ من العمر 40 عامًا تحولًا استراتيجيًا بالاستفادة من تقنيات الثورة الصناعية الرابعة مثل: الذكاء الاصطناعي، وأنظمة التحليل المتقدمة، والروبوتات.
وقد أثمرت جهودنا المستمرة في تحديث الأنظمة القديمة التي مضى عليها عقود والانتقال إلى تشغيلها بتقنيات رقمية، ففي عام 2023، أصبحت المنشأة ثاني مصفاة في العالم تُكرم بضمها إلى قائمة المنارات الصناعية العالمية التي يصدرها المنتدى الاقتصادي العالمي، وهو لقب يمنح لمجموعة مختارة من المنشآت الأكثر ابتكارًا حول العالم.
مدعومة بتقنيات متطورة
تُعد مصفاة ينبع رابع منشأة لأرامكو تُدرج في قائمة المنارات الصناعية العالمية من المنتدى الاقتصادي العالمي، والتي تضم منذ يوليو 2024 153 منشأة تصنيع حول العالم. وبإضافة مصفاة ينبع إلى قائمة المنتدى الاقتصادي، أصبحت أرامكو أول شركة طاقة عالمية يمثلها أكثر من مرفقين في شبكة المنارات الصناعية العالمية.
ويجب على الشركات الساعية إلى ترشيح إحدى منشآتها لهذا التكريم أن تُثبت ريادتها في تطبيق تقنيات الثورة الصناعية الرابعة على نطاق واسع مع إجراء تحسينات على الجوانب المالية والتشغيل والاستدامة.
وعلى غرار مرافق أرامكو التي سبقتها بالانضمام إلى القائمة، والتي تضم معمل الغاز في العثمانية، ومنشأة بقيق لمعالجة النفط وتركيز النفط الخام، ومجمع خريص النفطي، تُظهر رحلة مصفاة ينبع نحو الحصول على لقب المنارة الصناعية العالمية، تركيزنا المستمر على استخدام أحدث تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، التي تسهم بدورها في تعزيز أعمال الشركة وطموحاتها في مجال الاستدامة.
"لقد نجحنا في مصفاة ينبع في تطبيق حالات عملية جرى فيها استخدام تقنيات الثورة الصناعية الرابعة لتحسين الأرباح، وزيادة الإنتاج، والتوسع في طاقة المعالجة، وفي الوقت نفسه تقليل استهلاك الطاقة، وإنتاج النفايات، والانبعاثات الضارة. تعزز مثل هذه الإنجازات مكانتنا الرائدة في استخدام التقنية في قطاع الطاقة، وتسلط الضوء على الفوائد التي تعود على قطاعنا من خلال تبني أحدث ما توصلت إليه التقنيات من حلول ".
نائب الرئيس التنفيذي للتصنيع العالمي
خارطة طريق نحو الرقمنة
لم يحدث التحول الرقمي في مصفاة ينبع بين عشية وضحاها، بل كان نتيجة رؤية مركزة، وتخطيط دقيق، ثم تنفيذ خطة تحول رقمي استراتيجية مدتها خمس سنوات ابتداءً من عام 2018 إلى عام 2023. وقد تماشت خطة المصفاة بشكل وثيق مع برنامج التحول الرقمي على مستوى الشركة، الذي يهدف إلى استخدام أحدث ما توصلت إليه التقنية حتى نتمكن من توفير الطاقة للطلب المستقبلي بشكل أكثر أمانًا وكفاءة واستدامة.
وقد أدى تطوير المصفاة التي يبلغ عمرها أربعة عقود باستخدام تقنيات متقدمة إلى تحسينات كبيرة في الكفاءة التشغيلية للمنشأة. ومن خلال تحولها الرقمي، حسنت مصفاة ينبع طاقتها الإنتاجية بنسبة 18% وزادت أرباحها بنسبة 35%.
وكان من بين أعمال التطوير التي شهدتها المصفاة الدمج الرقمي للتقنيات الجديدة في الأنظمة القديمة مما تطلب إجراء تجديد شامل لأنظمة إنترنت الأشياء الصناعية في المصفاة. صممت مستشعرات إنترنت الأشياء الصناعية لاستخدامها في جمع بيانات آنية من منشأة ما، ويمكن دمج هذه المستشعرات مع أدوات التحليل الرقمي وأدوات تشخيص الأعطال ذاتيًا لمراقبة وتحسين أداء الأصول آليًا.
الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي
كما استخدمت المصفاة أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتقدمة صُمم لخفض استهلاك غاز الوقود في وحدات المعالجة في المصفاة. لم تؤدي هذه التقنية إلى زيادة كفاءة هذه العملية فحسب، بل ساعدت أيضًا في الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في النطاقين (1 و2) للمنشأة بنسبة 14%، مما ساهم بشكل مباشر في تحقيق الشركة لطموحات الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
تبني تقنيات جديدة
ينطوي تغيير الأنظمة القديمة على ما هو أكثر من أعمال التطوير التقنية؛ إذ يتطلب تحولًا ثقافيًا داخل المؤسسة لتبني تقنيات ومنهجيات جديدة. وقد أدَّى التدريب الأساسي دورًا محوريًا في نجاح المشروع، لضمان تثقيف العاملين في مجال التكرير تثقيفًا تامًا بمفاهيم الثورة الصناعية الرابعة. كما مهد التدريب الطريق لتزويد الموظفين الحاليين بمهارات أعلى لأداء مهام جديدة، ومهارات أخرى لتحسين أدائهم الحالي، مما مكنهم من الإسهام بفعالية في تشكيل خارطة طريق المشروع.
ولمساعدة عمال التكرير على الاستفادة من التقنية الجديدة، استخدم فريق التدريب مركز تدريب بتقنية الواقع الافتراضي يقدم دورات معتمدة يمكن للموظفين الحصول عليها عن بعد وفي أي وقت. وقد أثبت التدريب بتقنية الواقع الافتراضي فائدته الكبيرة للمتعلمين من خلال منحهم القدرة على التفاعل مع نماذج ثلاثية الأبعاد تحاكي سيناريوهات وتحديات العمل الحقيقية.ولم تؤدي هذه التقنيات إلى تقليل الوقت اللازم للتدريب فحسب، فقد ساعدت أيضًا في تحسين مهارات الموظفين من حيث السلامة والعلميات التشغيلية.
وبالإضافة إلى استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي، نجحت فرق التحول الرقمي في مصفاة ينبع في سد الفجوة بين الممارسات القديمة التقليدية والابتكارات الحديثة من خلال التوسع في استخدام الطائرات المسيّرة (الدرونات) والروبوتات. فعلى سبيل المثال، بدأت المنشأة باستخدام الدرونات المحاطة بقفص حماية، وهي فئة خاصة من الدرونات تستخدم لفحص الأماكن الضيقة مثل: خزانات وبراميل تخزين النفط، مما يلغي الحاجة إلى نزول الفنيين في فتحات التفتيش أو استخدام السقالات. وأدى ذلك إلى تقليص فترات الأعطال في المنشأة بشكل كبير وتحسين السلامة في مكان العمل.
مواصلة الابتكار
يُعد التحول الرقمي ركيزة أساسية في نجاح أرامكو، ولذلك تواصل الشركة استخدام أحدث تقنيات الثورة الصناعية الرابعة لتحسين كل مجال من مجالات أعمالها. ولعل خير شاهد على ذلك هو إدراج المزيد من مرافق أرامكو في قائمة المنارات الصناعية العالمية تكريمًا لها على رقمنة أعمالها.
وتُعد مصفاة ينبع هي أول منشأة تابعة للشركة في قطاع التكرير والكيميائيات والتسويق تحصل على لقب المنارة الصناعية العالمية، وهو ليس مجرد إنجاز مميز للشركة فحسب، فهو أيضًا يمهد الطريق أمام مرافق التكرير والكيميائيات والتسويق الأخرى في جميع أنحاء العالم، ويوضح كيف يمكن الوصول إلى أداء فائق المستوى من خلال تبني التقنيات والابتكارات.