الانتقال إلى المحتوى
Aramco
مقالات

خميس بن رمثان: رائد الصحراء ودليلها الأبرز في رحلات اكتشاف النفط الأولى في المملكة

قصة خميس بن رمثان، الدليل الشهير الذي عمل لدى أرامكو السعودية لفترة طويلة وقاد بحدسه الدقيق فرق التنقيب عن النفط إلى أبعد المناطق في المملكة.

فايزة رحمان|

  • تمكن خميس بن رمثان، بفضل درايته الفريدة بالصحاري السعودية، من قيادة الجيولوجيين الأوائل في أرامكو السعودية إلى اكتشاف أول حقل نفط في المملكة العربية السعودية عام 1938. 
  • ما يزال إرث بن رمثان، الذي عُرف بالحكمة والقدرات القيادية، يتواصل من خلال "حقل رمثان النفطي" الذي سُمي بهذا الاسم تكريمًا له.

تدين أرامكو السعودية، بصفتها شركة طاقة عالمية ذات جذور عميقة في تاريخ المملكة العربية السعودية، بالكثير من نجاحها للرواد الأوائل الذين شكّلوا ملامح الفصول الأولى للتنقيب عن النفط في المملكة. ومن بين هؤلاء الرواد خميس بن رمثان، المرشد السعودي الأسطوري الذي أدت معرفته الاستثنائية بالصحراء وشراكته مع جيولوجيي الشركة إلى اكتشاف أول بئر نفط قابلة للاستغلال التجاري في المملكة في عام 1938.

فقد كان بن رمثان يتنقل عبر الصحاري الشاسعة في المنطقة الشرقية من المملكة قبل وقت طويل من اختراع المسوحات الزلزالية والأقمار الاصطناعية ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، مسترشدًا بشكل الكثبان الرملية ولون التربة ومواقع النجوم، ليصبح بفضل حدسه ودقته ونزاهته جسرًا بين عالمين: الحكمة التقليدية لصحاري شبه الجزيرة العربية وعلم جيولوجيا البترول الناشئ.

حياة الصحراء 

ينتمي خميس بن رمثان، الذي وُلد في أوائل القرن العشرين في المنطقة الشرقية، إلى قبيلة عجمان ذات الارتباط الوثيق بالصحراء، وأجاد خلال نشأته المهارات التي كانت حياة البدو تعتمد عليها، متمثلةً في معرفة المواقع والاتجاهات استرشادًا بمواقع النجوم والتغيرات الطفيفة في الرمال، وقراءة التضاريس كما لو كانت خريطة مرسومة في الذاكرة.

فقد كان لكل تلّة، وكل وادٍ، وكل مجموعة من الأشجار الشائكة في صحاري المملكة الشاسعة، معنى بالنسبة له، وما بدا للآخرين صحراء لا نهاية لها، كان بالنسبة لبن رمثان مشهدًا مألوفًا ومفهومًا.

ينتمي خميس بن رمثان إلى قبيلة عجمان ذات الارتباط الوثيق بالصحراء.

بحلول ثلاثينيات القرن الماضي، كانت شهرة بن رمثان كدليل ومستكشف للصحراء قد وصلت إلى المسؤولين الحكوميين وفرق التنقيب الأولى التي غامرت بالدخول إلى المنطقة الشرقية من المملكة. وعندما شرعت أرامكو السعودية، التي كانت تُعرف آنذاك باسم شركة كاليفورنيا أرابيان ستاندارد أويل كومباني (كاسوك)، في تنفيذ أول مسوحاتها، برز اسم بن رمثان على رأس قائمة الأدلة المحليين.

وفي عام 1934، انضم بن رمثان رسميًا إلى فرق التنقيب في الشركة، ليصبح، بفضل فهمه العميق للأرض، بمثابة البوصلة للشركة في بحر من الرمال.

الحكمة والتواضع 

أجمع الذين عرفوا بن رمثان على أنه كان شخصًا يجمع بين الثقة والهدوء ودقة الملاحظة، مُتحليًا بقدر كبير من الحكمة تجعله يقود الآخرين من خلال كونه قدوة حسنة لا من خلال كونه آمرًا ناهيًا.

وكما ورد في مجلة أرامكو وورلد التابعة لأرامكو السعودية: "كان خميس يتمتع بمعرفة تامة بالأرض ومهارات فطرية لمعرفة المواقع والاتجاهات، إذ لم يكن يستخدم الخرائط، ولكن إذا سألته عن اتجاه مَعلم معين، كان يجيبك على الفور، وإذا سألته عن المسافة، فسيعرفها بهامش خطأ ضئيل جدًا". بجانب ما تمتّع به من حس عميق للتعاون والتفاهم، مما جعله بمثابة جسر ثقافي بين الجيولوجيين الأمريكيين والمجتمعات المحلية التي التقوا بها. وبفضل توجيهاته، ازدهر التواصل وتوطدت الثقة، وهي ثقة ستثبت أهميتها البالغة في أعمال التنقيب التي شهدتها السنوات التالية.

العمل مع الجيولوجيين 

عندما انطلقت أعمال التنقيب في المنطقة الشرقية من المملكة، أوائلَ ثلاثينيات القرن الماضي، واجه الجيولوجيون الأمريكيون صعوبة في تحديد المواقع داخل الصحاري الشاسعة التي تصطبغ بلون واحد، حيث لم تكن هناك أنهار أو جبال أو غابات أو بحيرات يمكن أن يُسترشد بها، وكانت جهودهم عرضة للفشل. وفي عام 1935، بدأ بن رمثان بمعاونة الفرق الجيولوجية للشركة؛ وكان من بين من عمل معهم عن كثب ماكس ستاينكي، كبير الجيولوجيين في الشركة، الذي قاد أعمال البحث المبكرة عن النفط بفضل عزيمته وبصيرته وخبراته العلمية. وهكذا، كوَّن بن رمثان وستاينكي فريقًا فذًا، وفيما كان ستاينكي يسترشد بالأدوات، اعتمد بن رمثان على غريزته، وجمع بينهما السعي لفهم الإمكانات الخفية القابعة في باطن الصحراء.

واجه الجيولوجيون الأمريكيون صعوبة في تحديد المواقع داخل الصحاري الشاسعة التي تصطبغ بلون واحد.

وتسجل مجلة أرامكو وورلد القصص التي كان الجيولوجيون الأوائل في الشركة يروونها كثيرًا عن قدرة بن رمثان الخارقة على معرفة طريقه عبر تضاريس لم يسبق لأي أجنبي أن رسم خرائط لها، حيث كانت تبهرهم قدرته على تحديد المواقع ومعرفة كيفية الوصول إليها بدقة. ولم تشكّل الظروف الجوية القاسية أو ظلام الليل مصادر إزعاج له، حتى أن واحدًا من أوائل الجيولوجيين الذين عملوا في الشركة، وهو توم بارغر الذي أصبح بعد ذلك رئيسًا للشركة، وصفه بأنه "دليل الأدلّاء".

وطبقًا لكلام بارغر أيضًا، فإن بن رمثان لم يكن يضل طريقه في الصحراء لأنه، بالإضافة إلى حاسته السادسة أو ذلك النوع من البوصلة الداخلية، كان يتمتع بذاكرة حادة مثيرة للدهشة، إذ بوسعه تذكّر شجيرة مر بها عندما كان شابًا أو بئر سمع عنها قبل 10 سنوات.

على جانب آخر، تذكر مجلة أرامكو وورلد، أنه في إحدى المرات في الصحراء، كان الفريق يحاول تخمين المسافة التي تفصلهم عن الظهران، وخمن بن رمثان ببساطة أنها 500 ميل، وهو تخمين ثبت أنه دقيق بشكل لافت للنظر. 

لم يكن التنقل ومعرفة المواقع والاتجاهات في الصحاري بالنسبة لبن رمثان أمرًا غامضًا، وإنما كان بمثابة حوار مع الأرض؛ مما جعله دليلًا لطاقم الشركة طوال فترة أواسط الثلاثينيات عبر الظهران وبقيق والدمام، وساعد في رسم خرائط للتكوينات الجيولوجية التي تشير إلى وجود النفط.

أكثر من مجرد دليل في الصحراء

لم يقتصر دور بن رمثان في اكتشافات النفط الأولى على القيام بوظيفة الدليل، وإنما عمل في بعض الأحيان مع القبائل المحلية لتنظيم قوافل الإبل لنقل لوازم الحفر، مثل طين الحفر والإسمنت وبراميل النفط.


ففي أوائل الأربعينيات من القرن الماضي، عندما أصبح استخدام السيارات في النقل متعذرًا نتيجة لنقص إمدادات الوقود القادمة إلى المملكة، بسبب الحرب العالمية الثانية، قام طاقم الشركة بتجربة قوافل الإبل لنقل لوازم الحفر عبر الصحراء، حيث نُفّذت هذه الفكرة في تقسيم المواد اللازم نقلها إلى أحمال صغيرة يمكن للبدو حملها على ظهور الإبل، مما ساعد الشركة والاقتصاد المحلي خلال تلك الفترة الصعبة.


وهكذا، حملت مئات الإبل طين الحفر والإسمنت وزيت التشحيم عبر الصحراء إلى مواقع حفر الآبار الاستكشافية في بقيق والجوف، وفي إحدى المرات، كان بن رمثان يرتّب لاستخدام 75 جَمَلًا في رحلة تستغرق يومين عبر الصحراء عندما أحضر البدو نحو 500 جَمَلٍ، ليُطلق على هذا الفيلق من الإبل الذي تشكل بصورة ارتجالية، كدعابة، اسم "شركة خميس للنقل" تكريمًا لبن رمثان الذي كان يعمل بمثابة وكيل للبدو.

الدليل القائد

ومع ارتفاع وتيرة أعمال التنقيب، ازدادت مسؤوليات بن رمثان، وبحلول أوائل الأربعينيات من القرن الماضي، أصبح كبير الأدلّاء الصحراويين في الشركة، حيث كان يقود قوافل كبيرة من الإبل عبر المنطقة الشرقية عندما كانت وسائل النقل الآلية ما تزال نادرة.


ومع أن جيولوجيي الشركة كانوا كثيرًا ما يقولون إن حس الاتجاه الذي يملكه بن رمثان كان يبدو خارقًا للطبيعة، إلا إن ما تميز به حقًا عمن سواه كان شخصيته المتحلّية بالصبر والتواضع والقدرة على توحيد الأفراد في مواجهة الصعوبات.


عندما أنتجت بئر الدمام رقم 7، المعروفة لاحقًا باسم "بئر الخير"، النفط بكميات تجارية للمرة الأولى في 4 مارس 1938، كان ذلك تتويجًا لسنوات من الجهود المشتركة والشجاعة والإيمان، سنوات قاد بن رمثان خلالها، بفضل خبراته، طاقم الشركة إلى الأماكن الصحيحة في الأوقات المناسبة. وليس هذا وحسب، بل ساعد بن رمثان في اكتشاف عدة آبار نفطية فيما يعرف اليوم بحقل الغوار، الذي يمتد على مسافة 300 كيلومتر بين بقيق وحرض.

بصمة لا تُمحى في تاريخ المملكة

رغم أن بن رمثان تُوفي في عام 1959 عن عمر يناهز 50 عامًا بعد صراع مع مرض السرطان، فإن اسمه ما زال يتردد بقوة في تراث أرامكو السعودية. وفي عام 1974، أطلقت الشركة اسمه على "حقل رمثان النفطي" تكريمًا له وتقديرًا لدوره الرائد في اكتشاف النفط للمرة الأولى في المملكة.

وإذ نسترجع ذكريات مسيرة الشركة، بدءًا بتلك الرحلات الاستكشافية المبكرة في الصحراء، وانتهاءً بالريادة والقيادة الحاليين في مجال الطاقة العالمية، يبرز اسم بن رمثان كرمز للشراكة بين الحكمة البشرية والابتكار التقني؛ فبن رمثان يمثل أفضل ما في عالمين اثنين هما: الفهم البدوي الأزلي للطبيعة وسعي الجيولوجيين وراء المعرفة، وهما العالَمان اللذان أرسيا معًا أسس ما أصبح بعد ذلك أحد أكثر الاكتشافات تأثيرًا في التاريخ الحديث.

تراث الشراكة

لقد كانت قصة أرامكو السعودية دائمًا قصة تضافر بين البشر والتخصصات العلمية، جيلًا بعد جيل، وهذه الإسهامات التي قدمها بن رمثان تذكرنا بأن الاكتشافات العظيمة نادرًا ما يحققها العلم وحده، وإنما تتحقق عن طريق الاحترام المتبادل، والانفتاح الذهني، والشجاعة لاستكشاف المجهول.

وفيما نواصل مسيرة الابتكار وتعزيز فهمنا للطاقة والاستدامة، تظل روح الروّاد مثل بن رمثان قائمة بيننا، في شهادة على ما تحققه الخبرات والرؤى البشرية عندما تجتمع مع الحدس الطبيعي لتشكيل ملامح التاريخ.

~  ~  ~

نُشر هذا المقال لأغراض المعلومات العامة، ولا ينبغي للقراء ومستخدمي الموقع الاستناد على أي معلومات واردة في هذا المقال إلا على مسؤوليتهم الخاصة. علاوة على ذلك، لا تقدم أرامكو أي تعهدات أو ضمانات من أي نوع، صريحة أو ضمنية، حول اكتمال هذه المعلومات أو دقتها أو موثوقيتها أو ملاءمتها لأي غرض، كما تخلي أرامكو السعودية مسؤوليتها من أي التزام بتصحيح أو تحديث أو مراجعة أي بيانات أو آراء صريحة أو ضمنية في هذا المقال.